يونس الهديدي : هل تعطل العتاد الصهيوني؟
العرب نيوز ( رؤوس – أقلام ) بقلم الكاتب يونس الهديدي – تبدو الحركة الصهيونية في شقها الحربي عاجزة عن التموقع في لحظتها الراهنة، ذلك لأنها لم تستطع في مجمل حروبها الاحتلالية أن تحقق انتصارًا على الإنسان الفلسطيني بآليات حربية معاصرة. لقد ترجمت فشلها أرضًا وجوًّا عندما استدعت طرقًا شبه بدائية تعود للعصور الوسطى الأروبية في موجهتها مع الغزاويين، ونقصد بالأساس سياسة حرق الخيام في حيفا ورهانها على الحصار والتجويع في شمال غزة.
إن حرق الأحياء يعكس المكون الديني الذي توظفه هذه الحركة الأمبريالية من خلال استلهامها عسكريًّا ما كانت تقوم به الكنيسة في لحظة تغولها أروبيًّا، أما التجويع فيعود بنا إلى العصور البائدة التي كانت فيها القلاع والحصون أهم وسائل دفاعية ضد الغزاة والمحتلين، فالحركة الصهيونية ما كان لها أن تلجأ لهذه الطرق الشبه بدائية لو لم تفشل مدرعاتها العسكرية وطائراتها وصواريخها أمام شعب تحركه عقيدة تنهض على الحق التاريخي في الأرض، تلكم العقيدة التي تجعل الحركة الصهيونية أمام رهان آخر هو رهان هوية مؤسسة ورواية من الصعب أن تعبث بها أقلام المؤرخين.
فالحرق يريد رمادًا تهجِّره الرياح إلى اللامكان، ولا يريد قبورًا تنضاف شواهدها إلى متن الرواية الفلسطينية، والتجويع يريد انهاءً للكرامة ومن ثمة إنهاءً للإنسان في ارتباطه بالأرض. وكأن الحركة الصهيونية بوصفها أحد أذرع الرأسمالية في تحديثاتها تمنح خيارين للهوية الإنسانية: خيار المستهلك وهي الهوية التي تطبع العالم بأسره، وخيار الجائع وهي هوية المارقين عليها الرافضين للركوع أمام جبروت الوحش الإمبريالي الذي يحكم البر والبحر بنفسه أو بالوكالة.
لقد استطاعت مقاومة الشعب الفلسطيني تجميد أعتى العتاد الحربي الصهيوني وإحالته على التقاعد، أو هذا ما يبدو على الأقل للناظر من بعيد. فالطرق التي تنهجها هذه الحركة في مواجهة الغزاويين، بدءً من قصف المستشفيات، مرورًا بحرق المخيمات انتهاءً بالتجويع، علامة دالة على أن صمود هذا الشعب عطل التقنيات الحديثة التي من شأنها إحداث إبادة شاملة. والتعطيل هنا تقاسم فضله الصمود مع تكنولوجيا الاتصالات الحديثة التي جعلت الحرب في دائرة الضوء وعلى مرمى من عدسات الكاميرات، فلا الحركة الصهيونية تستطيع أن تؤلب عليها المجتمع العالمي من خلال محو أثر الإنسان من أرضه ولا هي تستطيع أن تنتصر بطرق شبه بدائية تجاوزها تاريخ الحروب.
انطلاقا من ذلك يظل الرهان على الزمن في صالح الإنسان الفلسطيني، ذاك الإنسان الذي فرض على جيش منظم طريقته في المواجهة.