|
الإثنين، الموافق ٠٩ ديسمبر ٢٠٢٤ ميلاديا

العرب نيوز ( رؤوس – أقلام ) بقلم الزميلة سكينة المشيخص – يتطلب السلام في المنطقة قراءة دقيقة لاتجاهات المصالح والمكاسب السياسية، وهو في حقيقته أمر واقع منذ توقيع الرئيس المصري الراحل أنور السادات لاتفاقية كامب ديفيد في عام 1978م، فرغم أن الدول العربية جميعا قاطعت الدولة المصرية، باستثناء السودان وسلطنة عمان، إلا أنها تراجعت ورجعت إلى مصر بسلامها مع إسرائيل.
عقب ذلك ومنذ ربع قرن وقعت الأردن اتفاقية وادي عربة، ثم مباشرة خلفها السلطة الفلسطينية، فإذا كانت دول المواجهة باستثناء سوريا، ولبنان كحالة خاصة، على سلام وتوافق سياسي مع دولة إسرائيل فما الذي يمنع بقية الدول العربية من توقيع اتفاقيات سلام تضمن مصالحها وتحققها وفقا لظروف كل دولة، مع العلم هناك دول كثيرة تحتفظ بصلات غير معلنة معها، وذلك في سياق استراتيجي وتكتيكي يمنع الإضرار بالمصالح ويستكشف آفاق وفرص السلام في المستقبل المنظور.
الآن بعد توقيع دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين اتفاقية أبراهام للسلام مع إسرائيل، لم تعد الحرب والعداء خيارا، وإنما هو سلام يضمن أمن واستقرار الجميع، ويحقق على الأقل الحد الأدنى للتعايش السلمي وهو من مبادئ الأمم المتحدة الرئيسية، وذات الأمر ينطبق على الدول التي لا تزال تفكر في الخطورة الأخيرة للإمارات والبحرين، وأعني السودان الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من حسم ملف السلام مع إسرائيل.
السودان من الدول التي تحتاج هذا السلام، وقد قدم جهده للقضية الفلسطينية منذ النكبة في 1948م وحتى اليوم، ويكفيه أنه استضاف القمة العربية الأقوى، قمة اللاءات الثلاثة، ما يعني تأثيره ودوره الفاعل في المنطقة، ويبدو ذلك واضحا من حرص إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية على إنجاز سلام السودان الذي يعزز الفكرة السلمية، ويعطي السلام بصورة عامة حيوية تحفز البقية للانخراط في هذا المسار.
السلام في المجمل لا يعني بالضرورة تضييع القضية الفلسطينية، فالحروب لم تصل بها إلى حل، لذلك يمكن أن يعمل السلام على تحقيق اختراق نوعي وتاريخي فيها، ولنا أن نتخيل أن إسرائيل يمكنها أن تحرص على تقديم تنازلات للشعب الفلسطيني مقابل المحافظة على منجزها في السلام مع الدول العربية والإسلامية، فهي لا تستهدف التطبيع السياسي وحسب وإنما بحاجة إلى التطبيع الشعبي أيضا، وذلك سيجعلها تقترب أكثر من الشعوب التي تتعامل بعاطفة تاريخية مع القضية الفلسطينية، يمكن تفكيكها بمزيد من السلام والتقارب والتعايش.
توقيع اتفاق سلام سوداني – إسرائيلي أمر مرجح جدا في القريب، فالمزاج السوداني لا يمانع ذلك، خاصة وأن السودان بحاجة إلى تحقيق تقدم في مسارات الاقتصاد والأمن والسلام الداخلي ما يعني إسهام أمريكي وإسرائيلي أكثر فاعلية في التأثير والنتائج، إذ ليس السودان مضطرا بعد الثمن الذي ظل يدفعه لصالح القضية أن يدفع المزيد فيما الشعب السوداني بحاجة ماسة للانطلاق التنموي والاقتصادي في ظل توفر الموارد الطبيعية الهائلة في باطن أرضه وظاهرها.
من حق السودان وشعبه أن يبحث عن مصالحه بالطريقة التي يراها، والسلام جائزة ينالها الجميع، بما في ذلك القضية الفلسطينية التي وقعت قيادتها أوسلو من قبل، فما الضرر من توقيع الآخرين اتفاقيات مماثلة تتناسب مع تطور الزمن ومقتضيات الواقع؟ العاطفة لن تخدم أحدا غير المتاجرين بالقضايا القومية والشعارات، ومنذ النكبة وحتى اليوم لم يتحقق ما يجعل العرب يستمرون في العداء في الوقت الذي يمكن أن يحقق السلام نتائج أفضل وأكثر مواكبة للطموحات في الاستقرار، وقطع الطريق على المزايدين بالقضية في أي زمان ومكان، فهم وحدهم الذين يكسبون من استمرار الصراع وليس الشعوب.

Translate »