يونس الهديدي : ظلال العنف

العرب نيوز ( رؤوس – أقلام ) بقلم الكاتب المغربي يونس الهديدي – تبدو الجرائم اليوم داخل المجتمعات البشرية أكثر وحشيّة ودمويّة، فالأفراد لم يعد يكفيهم إزهاق الأرواح بل تجازوا ذلك إلى وحشية يتمثلها محو الجسد كليًّا، تماما مثلما نجد ذلك عند الحيوانات المفترسة التي تنهي مسار فريستها بمحو جسد الضحيّة داخل جسد الوحش.
هذا النوع من الإقبار قد يبرز لنا في صورة أوضح عندما نتأمل صورة الإنسانية في كُليتها، تلك الصورة التي تعكس سياسة الإبادة والتطهير العرقي بوصفهما إيقاعا نازيًّا متوحشًا يفرض نفسه في اللحظة الراهنة.
إن الطبيعة البشرية من حيث منشئها هي الطبيعة ذاتها من حيث منتهاها والثقافة ههنا بين قوسين. ولن نُغلب على عقولنا إن قلنا بتقرير توماس هوبز في القرن السابع عشر: ” إن الإنسان حيوان شرير بطبعه”.
شر استنفر التاريخ كل إمكاناته لكي يغلفه بغلاف ثقافي، غلاف كان من السهل على التقنية في تغولها أن تخلعه للحد الذي يبدو فيه الإنسان عاريًّا إلا من طبعه المتوحش، ذلك لأنه المكون الأصيل فيه.
لقد بلغ الصراع أوجه وتعددت أوجهه وأشكاله، وصارت التقنية مغذية للعنف المفترض في طبيعة الإنسان. إذ ذاك، جعلته عاريا أمام مرآة الكون. عاريا أمام أسئلة كبرى لم يعد لائقًا بها أمام انهياره الأخلاقي التي يستتبع بلا ريب وراءه انهيارًا معرفيًّا وشيكًا.
إنني أرى الإنسان في تطبعه بالعنف ومع الإجرام في صورتهما الجزئيّة أو في صورتهما الكليّة، أي إبادة شعوب عن بكرة أبيها – أراه حازمًا حقائبه عائدا إلى طبيعته الأولى داخل غابات مخترعة.
القول بالأصل العنيف يجعل الحياة في ذاتها عنفا ويجعل الإنسانية بسلامها وأمنها محض اختراع من شأنه مخاتلة العنف الكامن في طبعنا الحيواني.
إنها إنسانية تتوغل في مجال عنيف، مجال يحتكم لمنطق القوة ولقانون البقاء، إنسانية هي الأخرى محكوم عليها أن تمارس عنفا من أجل استمرارها ومن أجل استدامة السلام.
إن انفجار لغم التقنية تحت أقدامنا و بشكل متسارع جعل العري ممكنا وسمح للعنف بأن يتحول إلى “تراند” عالمي أو أحد مكونات الاستعراض والبروز حتى على المستوى الجمالي. فأي جمالية يمكن أن نعثر عليها في شرنا!؟ وهل يمكن أن تكون أصالة العنف في الإنسان دلالة على جمالية ما؟
إن بعث التاريخ في غير سياقه من باب التراث أو من باب الانتقام والمظلومية، لا يمكن أن ينم عن أصالة، ذلك لأن عقيدة المحو مجرد عودة بلا معنى إلى الوراء، فالقاتل والإقصائي والمُفني لا يتقدم إلى الأمام إنه ابن تعاليم المقابر والتواريخ المنسيّة والعدم الذي تنمو فيه الأنا المريضة باستمرار.