الكعبة المشرّفة… حيث تنسج السماء على الأرض.

العرب نيوز (رؤوس – أقلام ) د.دحمان الحدي. – في حضرة الجلال ومقام الخلود، تتجدد في الأول من محرم كل عام هجري لوحةٌ من أبهى صور الروحانية، عندما ترتدي الكعبة المشرفة ثوبها الجديد، كأنها تعيد مبايعة الزمن برفعة المكان وقداسة المعنى. إنها لحظة تنطق فيها الخيوط وتهمس فيها الزخارف، فترتفع الهامات وتخشع القلوب، إجلالًا لبيت الله الحرام.
رحلة الحياكة التي تمتد لأحد عشر شهرًا، لا تُعد مجرد صنعة، بل عبادة تخطّها الأيادي الماهرة بإيمان وولاء. 154 حرفيًا سعوديًا، هم كفاءات وطنية صنعت بأيدٍ مخلصة 47 قطعة من الحرير الأسود الفاخر، نُسجت من خلالها 68 آيةً قرآنية، بخيوط فضة ملبّسة بالذهب، فكانت الكسوة حديث القلوب قبل أن تلامس الحجر.
ويبلغ وزن هذا الثوب المبارك 1415 كيلوغرامًا، يحمل على متنه عبق التاريخ وعبير الرسالة، ويُغيَّر ضمن مراسم رسمية تنضح بالمهابة، بحضور رجال الهيئات الشرعية والإدارية، في صورة ترسّخ عراقة التقاليد وسمو القدسية.
منذ أقدم العصور، والكعبة تُكسى، ولكن عهد المملكة العربية السعودية نذر نفسه لتطوير هذا الشرف العظيم، فكان أن تحوّلت الكسوة من قِطَع قماشٍ قادمة من أطراف العالم الإسلامي إلى منسوج فاخر يُصنع في مكة المكرمة، على مرمى بصرٍ من الكعبة نفسها.
وهنا تتجلّى الجهود المباركة لمؤسسات المملكة وعلى رأسها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، بقيادة معالي الشيخ الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ، ووزارة الحج، حيث تتضافر الجهود، وتتراص الصفوف، خدمةً لبيت الله العتيق وحجاجه وزوّاره. إنها منظومة متكاملة تُجسد المعنى الحقيقي لـ”خدمة الحرمين”، روحًا ونظامًا، حبًا وتفانيًا.
فليظل ثوب الكعبة رمزًا للهيبة، ومفتاحًا للسكينة، وجسرًا بين الأرض والسماء… حيث لا يُنسج القماش فحسب، بل يُطرّز الدعاء، وتُحيك الأيادي أمنيات المسلمين في كل بقاع الأرض.