|
الجمعة، الموافق ٢٥ أبريل ٢٠٢٥ ميلاديا

العلامة د.سليم علوان ” الحث َلى بِرِّ الوالِدَيْنِ والتَّحْذِيرُ مِنَ العُقُوق

العرب نيوز ( سدني – استراليا ) خطبة امين عام دار الفتوى في استراليا العلامة د. سليم علوان ” الحث خطبة الجمعة الحَثُّ عَلى بِرِّ الوالِدَيْنِ والتَّحْذِيرُ مِنَ العُقُوق
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستغفرُه ونستعينُه ونستهديه ونشكرُه، ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنفُسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مِن يَهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلٰه إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ولا مَثيلَ ولا شَبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ له، وأشهدُ أنّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، مَن بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هادِيًا ومُبشِّرًا ونَذيرًا، بلَّغَ الرِّسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمّةَ فجَزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جزَى نبيًّا مِنْ أَنبيائِه. اللهمَّ صلِّ على سيِّدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمدٍ كما صَلَّيْتَ على سيِّدِنا إِبراهيمَ وعلى ءالِ سيدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيِّدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سيدِنا محمد كما باركتْ على سيِّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيد.
عبادَ اللهِ أُوصي نَفسِي وأوصيكُم بتقوى اللهِ العليِّ القدير، بالخوفِ مِنَ الجَليل، والعَمَلِ بالتَّنْزِيل، والاستِعْدَادِ لِيَوْمِ الرَّحِيل.
إخوةَ الإيمان، يقولُ ربُّنا تباركَ وتَعالى في القُرءان الكريم ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾. سورة الإسراء ءاية 23 – 24
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ﴾ أَي أَمَرَ اللهُ عِبادَهُ أمرًا مَقْطُوعًا بِهِ بِأن لا يَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه، ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ أي وأَمرَ بالإحسانِ للوالدَيْنِ، والإحسانُ هُوَ البِرُّ والإِكرامُ، وقَد رَوَى مُسْلِمٌ عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ أنَّه سألَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم:” أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ” – أي بعدَ الإيمانِ باللهِ ورسولِه – قَالَ:” الصَّلاةُ لِوَقْتِهَا” قَالَ: قُلْتُ:” ثُمَّ أَيّ” قَالَ:” بِرُّ الوَالِدَيْنِ” اهـ.
ورَوَى مُسلمٌ عنِ الصَّادِقِ الـمَصْدُوقِ صلَّى اللهُ عليه وسلّمَ أنَّه قال: ” رَغِمَ أَنْفُ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عَنْدَ الكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّة” اهـ
“رَغِمَ أنْفُ” قَالَ أَهلُ اللُّغةِ مَعنَاهُ ذَلَّ وَأَصْلُه لَصْقُ أَنْفِه بِالرِّغَامِ، وَهُوَ تُرَابٌ مُخْتَلِطٌ بِرَمْلٍ، والمعنى أَنَّ بِرَّ الوالدَيْنِ عِنْدَ كِبَرِهمَا وَضَعْفِهِمَا بِالخِدْمَةِ أَوِ النَّفَقَةِ أَو غَيرِ ذَلِكَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الجنَّةِ والفوزِ في الآخرةِ، فَمَنْ قَصَّرَ فِي ذلِكَ فقد خسِرَ خَسارةً كبيرةً، وقد قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:” رِضَا اللهِ في رِضَا الوَالدَيْنِ وَسَخَطُهُ في سَخَطِهِما” اهـ رواه الحاكمُ وغيرُه، فَبِرُّ الوالدَينِ إِخوةَ الإيمانِ فوزٌ كبيرٌ في الدُّنيا والآخرةِ، وعُقُوقُهُما خُسرانٌ مُبينٌ بَل هُو مِن أكبرِ الكبائرِ كما جاءَ في الحديثِ الذي رواهُ البُخاريُّ ومُسلمٌ، ورَوى البَيهقيُّ عن رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال:” ثلاثةٌ لا يَدْخُلونَ الجنة” أي معَ الأوَّلينَ أَي لِسَبْقِ العَذَابِ لهم إِنْ لم يَعْفُ اللهُ عنهُم، وعَدَّ منهمُ “العاقَّ لِوَالِدَيْه”.
والعقوقُ أيُّها الأحبَّةُ ضابِطُهُ كَمَا قالَ بَعْضُ العُلَماء:” هُو مَا يتأذَّى بهِ الوَالِدَانِ أو أحدُهما تأذِّيًا ليسَ بِالهيِّنِ في العُرْفِ” أي في عُرفِ الناسِ كالشَّتْمِ ونحوِه، بل نصَّ بعضُهُم أنه يجبُ على الولَدِ أنْ يُطيعَ والِدَيْهِ في كُلِّ أَمْرٍ يحصُلُ لهمَا غَمٌّ بِسَببِ تَرْكِهِ لَهُ، أي مِـمَّا ليسَ فيهِ مَعْصِيَة.
وأمَّا مَا لا يحصلُ لهما غمٌّ بسببِ ترَكْهِ فَلا يَـجِبُ عَلَيْه طاعَتُهُمَا فِيه، فَلَوْ طَلَبَ أَحَدُ الوَالِدَيْنِ مِنْ وَلَدِه شَيئًا مُباحًا كترتيبِ المكانِ أو غَسْلِ الصُّحُونِ أو تَسْخينِ الطَّعَامِ أو عَمَلِ الشَّايِ ومَا أشبهَ ذلكَ وكانَ يَغْتَمُّ قَلْبُهُ إنْ لم يُطِعْهُ في ذلكَ، حَرُمَ على الوَلَدِ أنْ لا يَفْعَل، أمَّا إِنْ كانَ لا يَتَأذَّى بِامْتِنَاعِه فَمُجَرَّدُ ذلك ليسَ حرامًا، لكنْ مِنَ البِرِّ طاعتُهُما في كلِّ مَا لا مَعصيةَ فيه، بلْ بِرُّ الوالدَينِ مُقَدَّمٌ على كثيرٍ منَ النَّوافِل.
وبابُ البرِّ إخوةَ الإيمانِ واسعٌ يدخُلُ فيهِ التَّواضعُ لهما والدعاءُ لهما قالَ تَعالى ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ أي أَلِنْ لهما جانِبَكَ مُتَواضِعًا مُتَذَلِّلًا لهمَا مِن فَرْطِ رَحْمَتِكَ إِيَّاهُما وعَطْفِكَ عَلَيْهِمَا وارفُقْ بهمَا وادْعُ لهما بأنْ يرحمَهُمَا اللهُ كرَحْمَتِهِمَا لَكَ صَغِيرًا عندَما كنتَ محتاجًا لهما.
ومِنَ البِرِّ أيضًا أيُّها الأحبةُ تَرْكُ كُلِّ مَا يُزْعِجُهُما، قالَ ابنُ عبَّاسٍ رَضِي الله عنهما:” لا تَنْفُضْ ثَوْبَكَ فَيُصِيْبَهُما الغُبارُ” وقالَ عُرْوَةُ:” لا تـَمْتَنِعْ عنْ شىءٍ أَحَبَّاهُ” ويدخُلُ فيه أيضًا الإحسانُ إليهِما بالمالِ والخِدمةِ والزِّيارةِ بل حتى بزيارةِ مَن يُـحِبُّون.
وحتى بعدَ موتِ الوالِدِ فإنَّ الشَّخصَ يُثابُ بزيارةِ مَنْ كانَ الوالدُ يَوَدُّهُم، وقد وردَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:” إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ أَنْ يَبَرَّ الرَّجُلُ أهلَ وُدِّ أَبِيهِ بعدَ أنْ يُولِّي” اهـ أي بعدَ أنْ يموت.
أيها الأحبةُ، لقد بالغَ الشَّرعُ في التَّوصِيَةِ بِالوَالِدَيْنِ وأمرَ باستعمالِ جانِبِ الِّلينِ والُّلطْفِ عندَ مُخاطَبَتِهِمَا ونَهى عن إيذائِهِمَا بلْ لم يُرَخِّصْ في أَدْنَى كَلِمَةٍ مِنْ كلماتِ التَّضَجُّرِ كَقَوْلِ أُفٍّ لهما فقالَ عَزَّ مِنْ قائلٍ
﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ فإذَا كانَ مِن الذَّنبِ الكبيرِ أن يقولَ الولدُ لأحَدِ والِدَيْه إذا طلبَ منه شيئًا أفّ تَضَجرًا مِنْهُ فكيفَ بما زادَ عن ذلك، كيفَ بمن يشتُم والدَيْه أو يَضربُهُما نعوذُ باللهِ منْ ذلك.
ويلٌ للعاقِّ ثم ويْلٌ له، فقد روى الحاكمُ في المستَدْرَكِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:” كلُّ الذُّنوبِ يُؤَخِّرُ اللهُ مِنْهَا ما شاءَ إلى يومِ القيامةِ إلا عُقوقَ الوالدَيْنِ فإنَّه يُعجَّلُ لِصَاحبِه” اهـ يعني العقوبةَ في الدنيا. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:” بَرُّوا ءَابَاءَكُمْ يَبَرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُم” رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ وَغَيْرُهُ وَمَعْنَاهُ فِي الْغَالِبِ هَكَذَا يَكُونُ وَلَيْسَ بِالْكُلِّيَّةِ.
فالحذرَ الحذرَ إخوةَ الإيمانِ مِنَ العقوق، واللهَ اللهَ بِبِرِّ الوالدَيْنِ، فإنَّ في ذلك النَّجاحَ والفَلاحَ في الدُّنيا والآخرةِ، وبركةً في الدنيا وفي الآخرةِ وسببًا للرزقِ ولِتَيْسِيرِ الأُمورِ وسببًا للفُتوحِ ونَيْلِ الأَجرِ والدَّرَجات.
اللهمَّ إنا نسألُكَ أنْ تجعَلَنَا مِنْ أَبَرِّ النَّاسِ بِوَالِدِيْنا ومِن أتْقَاهُم ومِن أحسنِهم خُلُقًا بفَضْلِكَ وكَرَمِكَ يَا أكرمَ الأَكرمين.
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم. << للاستماع لخطبة سماحة الدكتور علوان اضغط هنا >>

Translate »