|
الجمعة، الموافق ٠٦ ديسمبر ٢٠٢٤ ميلاديا

العرب نيوز( روؤس – أقلام ) بقلم د. ميسون الدخيل – أصدرت “يدهشني «البعض» من الجيل الصاعد حينما يتحدث في موضوع ثقافي أو اجتماعي، خاصة حينما تكون معلوماته مجرد معلومات قص ولصق، وصلتهم عن طريق قراءات «التيك أوي أو السفري». أقف «مذبهلة» وليس مذهولة، نظرا لما أصابني من عدوى المفردات الجديدة، التي يخرجون بها علينا كل يوم! نعم أقف «مذبهلة» عندما أسمع أو أقرأ لهم، وهم يحاضرون بلهجاتهم الركيكة والهجينة، خاصةً عندما يتطرقون لمواضيع كالتبذير والحفاظ على البيئة، وهم أكبر كارثة عليها وعلى اللغة العربية، التي أعدموها اختزالا وتشويهًا.

حقًا ما أجمل أن يكون بيننا هذه النوعية من الجيل الصاعد، لا يهم إن كان يتأرجح ما بين الصعود والهبوط، يكفينا نحن صفة «الصاعد» لنتأمل الهناء والسعادة التي نعيشها، ونحن نهبط معهم على مدار الساعة وفي كل الأحوال.

الآن لنكن واقعيين ولنتحدث عن فتوحاتهم ونكباتهم… عذرا هل قلت نكباتهم؟! ما علينا، مجرد زلة لسان!

أين وصلنا في الحديث؟ فتوحاتهم، نعم فهم من يستطيع أن يحرك الإنترنت، بل يرجها رجا لمجرد أن أضحكته كلمة أو موقف، تمت صناعته حتى يظهر طبيعيا، حتى ينال إعجابهم! لماذا نظلمهم؟! فهم يقدّرون التعب والجهد الذي قام به مؤلف المقطع حتى يسعدهم، حتى وإن كان غير حقيقي، ونحن ماذا نفعل؟!

نتذمر ونمطُّ شفاهنا ونحركها يمنة ويسرة امتعاضا.

فعلا نحن جيل نكد، لا يُقدِّر النكتة وخفة الدم!

إنهم جيل يقدر أهمية البيئة، ويعمل جاهدًا كي يحافظ عليها، ومن نحن كي نعترض؟! كنا نعيد زجاجات «الكولا» إلى المتجر حتى يتم غسلها وتعقيمها وإعادة تعبئتها، بينما هم يستخدمون ما هو أسهل وأسرع، العبوات البلاستيكية! وعندما كنا نشتري حاجياتنا من البقالة، كانت تعبأ لنا في أكياس ورقية بنية اللون، والتي كنا نستخدمها أكياسا للقمامة المنزلية، أو أغلفة كتبنا المدرسية، أو حتى نفرشها في باطن طاولتنا الصفية كي نحمي كتبنا ودفاترنا.

للأسف كنا من جيل يبدع في البخل وإعادة التدوير!

هم جيل يستخدم آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا، يقودون مركباتهم بقوة 300 حصان، في كل مرة يريدون الذهاب إلى متجر في الشارع الخلفي لمنزلهم، أما نحن، الكسالى، كنا نصعد السلالم، لأنه لم يكن لدينا مصعد كهربائي أو سلم متحرك في كل متجر ومبنى!

كنا نذهب بالحافلة أو سيرا على الأقدام لمدارسنا، بدلا من تحويل آبائنا وأمهاتنا إلى خدمة سيارات أجرة على مدار 24 ساعة!

بالتأكيد كنا جيلا رجعيا، يجب أن يخجل من نفسه، لا يُقدّر نعمة المدنية!

تربينا على أيدي من كن يغسلن حفاظات الأطفال، لأنه لم يكن لديهن حفاظات استهلاكية أو «ذكية»، وملابسنا كانت تجفف على حبل وليس في آلة تستنزف طاقة محرك 220 فولت، اعتمدت أمهاتنا وجداتنا على الطاقة الشمسية والرياح لتجفيف غسيلهن، كيف لم يفكروا بالأجيال القادمة، أقصد الصاعدة، وقاموا بكل عمليات التبذير هذه؟!

عجبًا! جيل جُبل على الإسراف في استخدام الطبيعية!

بيوتنا كانت تحوي مذياعا ورائيا، وليس جهازا في كل غرفة، بل في كل يد! وكانت الشاشة بحجم صندوق الدنيا، هذا إن كنا من المحظوظين، وليس بحجم ملعب الجوهرة!

كنا نعرف منطقتنا، كل شارع وزقاق وحارة، ولم نحتج إلى أداة حاسوبية لتلقي إشارة تبث من الأقمار الصناعية على بعد 23000 ميل في الفضاء من أجل العثور على أقرب مقهى!

كان يوجد في الغرفة زر تشغيل إضاءة واحدة، وليس مجموعة من الأزرار لتشغيل عشرات الأجهزة!

ماذا أقول؟!

جهل مُطبق في التكنولوجيا، وهي التي لا تشكل أي خطر على صحة الإنسان!

أما المطبخ فكنا نقوم بمزج كل شيء فيه بأيدينا، فلم يكن لدينا آلات كهربائية تجهز الطعام لنا، أضعنا عمرنا ونحن ندق ونفرم ونمزج ونرج… طاقات هدرت في المطابخ! والجيل الصاعد ما عليه سوى أن يشتري الخضار من «سوف التنابل» ويخلطها في قدر كهربائي بعد أن يبرمجه، ويترك البيت ويذهب للتنزه والترفيه! التنزه والترفيه؟! عذرا زلة لسان أخرى، للعمل على إنتاج المقاطع الهزلية أو متابعتها، فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك!

كنا جيلا «فقريا» لا يفقه ماهية النجومية والشهرة والمال!

والصحف والمجلات التي كنا نقرأها من الجلدة إلى الجلدة، كنا نستخدمها لتنظيف الأسطح الزجاجية، أو نحشو بها صناديق نريد أن نحتفظ في داخلها بالأدوات الهشة أو القابلة للكسر، أو نفرشها مائدة للطعام، ماذا أقول؟!

فعلا كنا جيل خطر على البيئة، لأننا لم نكن نستخدم حشوات مادة الستايروفوم أو شرائح الفقاعات البلاستيكية!

جيل لوث البيئة وأهان الكلمة وتعدى على حقوق الثقافة!

كنا نشطف الدار ونمسح ونكنس الأرض بأيدينا، تدريباتنا الرياضية كانت من خلال العمل المنزلي، لذلك لم نكن بحاجة للذهاب إلى نادٍ للركض على جهاز الجري الكهربائي! أما اليوم بعد التمدن والتطور وامتلاك أجهزة لكل عمل منزلي، واكتساح العاملات المنزليات لمنازلنا، نمت الأجساد وانتشرت في جميع الجهات!

وبكل براءة نشتكي من دفع تكاليف الأندية! ألا نعلم بأن للمدنية ثمنا ونحن الجهلة نتذمر؟!

الحقيقة الجلية تؤكد بأن لهؤلاء الأفراد من الجيل الصاعد، كل الحق بأن يأسف على ضآلة ثقافة الجيل السابق، والمستوى المخيف لتبذيره، فنحن لم يكن لدينا ثقافة «التيك أوي» أو كل هذه التكنولوجيا، التي تساهم في حماية البيئة والحفاظ عليها، جيل جامد غير متطور، يستخدم اللغة العربية الفصحى، دون أن يُطعٍّمها بكلمات أعجمية أو يزينها بكسر المحظور وإظهار المسكوت عنه!

في الواقع نحن جيل يستحق كل هذه السعادة والهناء، فنحن عملنا على بناء المدنية وتجهيزها لمن سيأتي بعدنا وأهملنا بناء الإنسان، فخرج علينا البعض من الجيل الصاعد، وأكرر «البعض» للتأكيد فنحن لا نريد أن نظلم ولا أن نتعدى على أحد، خرج علينا من بينهم من ينظر إلينا بفوقية ويتهمنا بالتخلف والرجعية وعليه، فلا عجب إن تم استخدامنا كمادة مربحة للسخرية بمقاطع «الإنستجرام، والسناب شات، والواتساب»!.

المصدر : الوطن السعودية

#العرب_نيوز ” أخبار العرب كل العرب “

Translate »