ميسون الدخيل : اختيار اللاأخلاقي من أجل تحقيق الأخلاقي
العرب نيوز( روؤس – أقلام ) بقلم د. ميسون الدخيل -يفهم أفضل الرواة أن القصص الأكثر إثارة تتطلب من الشخصيات اتخاذ قرارات؛ بين السيئ والأسوأ، أو بين الرهيب والكارثي، أما نحن فعندما نقرأ القصص أو نشاهد الأفلام فإننا نفهم ما يجري من خلال معالجة المعلومات التي تُعطى لنا، ومع ذلك، ففي بعض الأحيان تكون أجزاء من تلك المعلومات مضللة أو غامضة وتتطلب منا إعادة التفكير في معتقداتنا السابقة حول الشخصيات والأحداث، ولكننا غالبًا إن لم يكن نادرًا ما لا نفعل ذلك! حقًا كيف يفوتنا كمشاهدين أو قراء أن نتساءل كيف تم خداعنا؟! هل لأن السرد أو العرض الشيق يسلبنا التفكير فنكتفي بالاستمتاع بمتابعة الأحداث؟!
تملي الطبيعة البشرية أن يختار كل منا دائمًا «الخير» أو «الحق» كما ندركهما، لذلك، إذا كان يجب على الشخصية الرئيسة الاختيار بين الخير الواضح مقابل الشر الواضح، أو الصواب مقابل الخطأ، فإن الجمهور سواء من المشاهدين أو القراء، بفهمه لوجهة نظر الشخصية «بطل القصة»، سيعرف مسبقًا ما هو الاختيار. لكن هذا النوع من الخيار ليس خيارًا على الإطلاق! الشخصية الرئيسية المتعاطف معها ستقوم ببساطة بالاختيار الجيد: «الحق، الخير، والعدل»، وبهذا تكون قد انتهت القصة! لذا من أجل الإثارة والاستمرار يقوم الرواة بفرض نتيجتين سيئتين، ومنا هنا تبدأ القصة ويتم شد المشاهد أو القارئ، ونجد أن الذين يتخذون قرارات صعبة تؤدي إلى أهون الشرين يتلقون المديح لفعلهم ما هو شجاع وصعب، رغم أن هذا الشخصية نفسها تصبح ملوثةً أخلاقيًا لو أننا قسنا على ميزان الأخلاق والفضيلة!
لنبدأ بمثال قصة «سندريلا»، من لا يعرف كيف عاشت وكيف عانت وكيف انتهى بها الأمر إن أصبحت زوجة؟! المغزى العام هو الصبر والبقاء على الطيبة والنقاء ينتهي بالانتصار على الشر والأنانية. لكن هناك مغزى آخر! هل يمكن أن تثق المرأة برجل لا يتعرف عليها إلا من خلال مقاس حذائها؟! هل من يبحث عنك حسب معايير الظاهرة يستحق ما تحملينه من كنوز خفية؟! وهل يجب أن تكون الشخصية بارعة الجمال حتى يتفاعل معها القراء أو المشاهدون؟! ماذا لو كانت «الجميلة» أو «سندريلا» أو «ست الحسن» أو «ست بدور» بجمال عادي أو حتى من دون أي جمال؟! لماذا يجب أن نسامح «الوحش» على كل أفعاله ونتفاعل معه فقط لأنه مسحور على هيئة وحش؟! هل كنا سنتقبله لو لم نعرف أنه بالنهاية سوف يتحول إلى أمير جميل؟!
وقصة علي بابا والأربعين حرامي، بالطبع الجميع يعرفها، ويعشقها الأطفال، وهنا أيضًا تتناول القصة كيف أن الخير ينتصر على الشر، ولكن من قبل من؟ حرامي آخر «اللص الظريف» كما يُدعى ببعض النسخ الأخرى للقصة ذاتها! لقد اقتحم الكهف وقام بالسرقة! ولكن، قد يجيب البعض هنا: «نيته كانت حسنة وهؤلاء اللصوص كانوا يستحقون الجزاء»! ولكن أليس الطريق إلى جهنم مصفوفة بالنوايا الحسنة؟! السرقة تبقى سرقة بالرغم من أي رداء للفضيلة تقرر أن ترتديه! وزوجته التي قتلت اللصوص بالزيت الحامي! أليست جريمة، ومتعددة أيضًا؟! لاحظوا القصة تتحدث عن لصوص وليس عن قتلة!
ومن منا لا يعرف قصة عنترة بن شداد العبسي، الشاعر والفارس الذي تحولت حياته إلى «سيرة» شعبية لا تزال قيد التداول إلى يومنا هذا، ومن لم يتأثر بقصة حبه لعبلة ابنة عمه مالك، الذي حينما أراد أن يعجزه عن الزواج بابنته، طلب منه أن يكون مهرها 1000 ناقة من النوق العصافير، والتي كان يملكها النعمان ابن المنذر. السؤال هنا: هل كان النعمان عدوه؟ هل تعدى النعمان على أملاك عنترة؟ هل يحق لعنترة الاعتداء على من لم يعتد عليه، من أجل أن يثبت لعمه وللجميع بأنه فارس لا يشق له غبار؟! وما هذا الحب الذي تزوج خلاله ثمان نساء أخريات؟! وهنا نتساءل هل قام بكل هذه البطولات وتحمل كل تلك المخاطر من أجل عيون «عبلة» أم من أجل مجده؟!
قصص الأطفال أو القصص الخيالية تؤخذ على أنها أخلاقية بطبيعتها أو على الأقل أنها توفر التوجيه الأخلاقي، لكن بالنسبة لي على الأقل، بقدر ما أنها مسلية، أعتقد أيضًا أنها ليست سوى مكان خطير للغاية لطلب التوجيه الأخلاقي إن لم يتم توخي الحذر والمراجعة! أنا لا أطالب بمقاطعة هذه القصص، بل إنها أفضل بداية لتنشيط الخيال والتدريب على القراءة وزيادة المخزون اللغوي من المفردات لدى الأطفال، أنا فقط أنبه إلى أننا نستطيع أن نستغل الفرصة ونضيف بعض المعلومات المصاحبة على شكل حوار معهم للتعمق والخروج بأفضل منظومة أخلاقية ممكنة. الآن للتدريب على التفكير وإعادة الحسابات، ابحثوا عن قصص أخرى مشهورة وضعوها على ميزان الحق والفضيلة وانظروا ماذا سيخرج لكم من مغازٍ جديدة، وفكروا أين يمكن التدخل لإضافة المعلومات أو الحوار، حتى لا يتعارض الفهم مع منظومة الأخلاق التي نريد أن نغرسها في أبنائنا.
كلا لم أنته بعد، وللحديث بقية! خاصة لنا نحن الراشدين، وكل ما سبق كان كما يقال في المثل: «الحديث لك يا جارة والقصد لك يا كنة»! لنراجع أنفسنا حين نشاهد الأعمال الدرامية التي تعرض علينا هذه الأيام؛ العربية منها والأجنبية، يجعلوننا نتفاعل مع الشخصيات التي تتخذ قرارات غير أخلاقية «ما بين السيئ والأسوأ»، ولكن لأنها قدمت في إطار درامي مثير ومؤثر، نتفاعل ونتغاضى، وبالنهاية نتقبل كل ما هو غير أخلاقي، ونطلق عليه «حرية شخصية» أو «حرية تعبير»، ونصفق ونحتفي بهم! هل تسلينا؟ ربما نعم، هل تلوثنا؟ بالتأكيد نعم! هل الأمر يهمنا؟ لا أدري فالإجابة ليست عندي!
المصدر : الوطن السعودية
#العرب_نيوز ” أخبار العرب كل العرب “