ميسون الدخيل : لنكتشف ونحتفي بالمؤثرين المجهولين
العرب نيوز( روؤس – أقلام ) بقلم د. ميسون الدخيل – في الحياة ومنذ الأزل يوجد أبطال مجهولون لا نعرف عنهم، ولكن كان لهم الأثر في تغيير مسار الكثيرين ممن كانوا حولهم، بل ربما امتد الأثر لأكثر من ذلك لمجتمعات أخرى بعيدة كل البعد عنهم من حيث الزمن أو المسافة. بعضهم يمكن أن يكون قد عرف ممن هم داخل المساحة الضيقة التي تحيط بهم، ولكن إن نحن بحثنا سوف نجد الكثيرون منهم في قصص التي تمر علينا في أحاديث المجالس أو قصص الجدات، أو ربما من خلال برنامج وثائقي عابر، قد لا ينتبه له الكثير منا لتركيزنا على ما كل ما هو سريع وترفيهي!
قد تكون قصة مديرة مدرسة ابتدائية صغيرة لذوي الحاجات الخاصة، والتي قررت يومًا أن تحولها إلى مؤسسة تنتهج أسلوب الدمج، وحرصت على أن تكون الرسوم الدراسية شبه رمزية، المهم هنا أن تجربتها أدت إلى مساعدة الكثيرين ممن تأثر وتغيرت حياته، ليس فقط على مستوى التلاميذ والتلميذات، بل أسرهم أيضًا ممن أعطتهم الأمل وشهدت بأعينهم أدمع الفرح وهم يتابعون تحسن أبنائهم، خاصة أولئك ممن استطاع أن ينضم إلى المدارس العادية، وليس ذلك فقط بل وأن يبدع فيها، ولكن للأسف وبسبب الجائحة والحجر الذي وضع عليها أعباء مالية دون أي مردود، لم تستطع أن تستمر وأقفلت المدرسة! هل انتهت التجربة؟ كلا لو أن هنالك من اهتم وسجل هذه الخبرة ووثقها حتى يستفيد منها آخرون في المجال نفسه، لأنها قد تكون قد أقفلت المدرسة، ولكن التجربة كانت ناجحة والتأثير كان كبيرًا.
ومديرة أخرى كانت قد استلمت مجمع مدارس خاصة وحولته إلى منارة وقصة نجاح، ليس فقط على مستوى الطالبات بل على مستوى المنسوبات من هيئة تعليم وإدارة ومستخدمات. كانت تدير المدارس بكل حزم وشدة؛ كل شيء كان يسير بانتظام كالساعة لم تكن تقبل أقل من الأفضل من الجميع، الكل كان يرتجف في حضورها ورغم ذلك كانت بالنسبة لهم القائد والصديق. لم تفرط بحق أي أحد ولم تسمح أبدًا بأن يتم أي تعدي أو أي تجاوز، لم تكن تتحدث أبدًا عن الإنجازات بصفة شخصية بل كانت تنظر إلى كل خطوة على أنها إنجاز جماعي، وتتحدث بكل فخر عن منسوباتها في اجتماعات مجلس الإدارة. اعتبرت المنسوبات مشروع تقدم وتطور، ولم تنظر إلى أي واحدة منهن على أنها خطر عليها أو على مركزها. كانت تدرب الصف الثاني من الإدارة، بحيث يكون هنالك جهاز على أتم الاستعداد لتكملة المسيرة متى ما أتى الوقت لذلك. كان عصرها بمثابة العصر الذهبي لتلك المدارس، وعندما تركتها، سارت المدارس لعدة سنوات حسب الإستراتيجيات التي وضعتها وعلى أيدي من دربتهن! كانت تؤمن بأن الإداري الناجح هو من تستمر المؤسسة في الصعود حتى بعد رحيله. ليس المهم أن تكون المحبوب والمفضل، بل المطلوب أن تحب الجميع وأن يجعلك هذا الحب قادرًا على دفعهم لإنتاج أفضل ما لديهم.
ولا ننسى تلك السيدة الفاضلة والأم المكلومة في أبنائها والتي لم تشأ أن يمر الآخرون بما تمر به ويعاني منه فلذات كبدها، فضلت أن تجاهد وتعمل بكل قوتها لتوعية المجتمع عن المرض الذي تسبب في ذلك، وكيف يمكن أن تحمي الأجيال القادمة منه. وقفت في كل مكان استطاعت أن تصل إليه، ووزعت الأوراق التي تشرح المرض وأسبابه، وطرقت جميع الأبواب حتى وصل صوتها إلى المسؤولين وتم إصدار قانون اختبار ما قبل الزواج. قصة ألم، أنتج هدفًا تحول إلى إستراتيجية تحققت بالإيمان والإصرار والإرادة الصلبة.
ورجل مؤمن برسالة، قرر فتح مصنع صغير، يوظف فيه ذوي الاحتياجات الخاصة، نمت تجارته حتى وصلت إلى العالمية، هل أخذ الأرباح لذاته؟ كلا، بل نظم دورات تدريبية وعلاجًا طبيعيًّا للمنسوبين، ومن ثم فتح مركزًا تابعًا للمصنع، تركيب الأعضاء الصناعية للمنسوبين وغيرهم من خارج المؤسسة بأسعار رمزية ومجانًا لمن لم يكن لديهم الإمكانيات المادية، ولم يكتف بذلك، بل فتح مدرسة داخلية لذوي الاحتياجات الخاصة وانتهج أسلوب الدفع نفسه. وعندما عصفت الحرب الأهلية ودمرت كل ما صنعه، لم يستسلم، بل أعاد البناء واستمر بتحقيق حلمه رغم كل الصعوبات والتحديات! قد نخسر كل شيء في لحظة، ولكن ليس مستحيلًا أن نجمع قوتنا ونعاود المسيرة من جديد!
حديثي الآن للإعلام أولًا: لا تبحثوا عن مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، لأنه بالطبع كل ما هو على السطح هو الأسهل، ثم أن ليس كل ما يلمع ذهبًا! ليصبح المجهود ظاهرًا وذا تأثير أقوى وأبقى وتصبح رسالتكم حقًّا مضيئة وفاعلة، ابحثوا عن مثل هؤلاء الأبطال، وألقوا الضوء على مسيرة حياتهم، فهم كثر لو أنكم فقط تنظرون حولكم، وقصصهم تحمل دروسًا تثمن بالذهب. كونوا المحرك والدافع ولا تكونوا مجرد انعكاس مرآة!
أما التربويون فمن خلال اتباع نهج التعلم الفريد القائم على المشاريع التي تعتمد على الخبرة المباشرة، والذي يعترف ويثمن النماذج التي يحتذى بها من الحياة والواقع، يستطيع الطلبة التعرف ليس فقط على نقاط قوة الغير، بل على قوتهم أيضًا لإحداث التغيير الإيجابي في بيئاتهم، فلا يخلو أي مجتمع حاضن من هكذا قصص، ولتكن ضمن خططكم اليومية؛ جربوا وستشهدون فرقًا كبيرًا في حياة أبنائنا الطلبة، فأهم درس يتعلمونه من خلال المرور بمثل هذه التجارب، هو أن السعادة ليست عبارة عن ماديات وشهرة وتنافس شرس، وبالتأكيد السعادة ليست بالثراء السريع على حساب الغير والتخلي عن الأخلاقيات، لأن السعادة رحلة جهد وتحمل ومثابرة وإصرار، نعم فيها الفشل والأدمع، ولكن هذا ما يعطي النجاح والابتسام حلاوته، ويزداد رحيقه بالعطاء والتقبل والمشاركة.
المصدر : الوطن السعودية
#العرب_نيوز ” أخبار العرب كل العرب “