العلامة د.سليم علوان ” خطبة الجمعة | تنزيه الله سبحانه وتعالى عن المكان
العرب نيوز ( سدني – استراليا ) خطبة امين عام دار الفتوى في استراليا العلامة د. سليم علوان -إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلاَ ضِدَّ وَلا نِدَّ وَلاَ مَثِيلَ لَهُ وَلا شَبِيهَ وَلا مَكَانَ وَلا جِهَةَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ. اَللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ وعَلى ءالِهِ وأَصْحابِهِ الطَّيِّبِين.
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ القَائِلِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيرًا (١١٥)﴾[سورة النساء].
إِخْوَةَ الإِيمَانِ دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ النَّجَاةَ في الآخِرَةِ عَلَيْهِ أَنْ يَلْزَمَ سَبِيلَ الـمُؤْمِنِينَ أَيْ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الـمُسْلِمِينَ وَأَنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ فَجَزَاءُهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الـمَصِيرُ.
وَمِنْ أُصُولِ عَقَائِدِ الـمُؤْمِنِينَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا الأَدِلَّةُ وَالبَرَاهِينُ القَاطِعَةُ مِنَ القُرْءَانِ وَالحَدِيثِ وَالعَقْلِ وَالإِجْمَاعِ تَنْزِيهُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنِ التَّحَيُّزِ فِي مَكَانٍ أَوِ الانْتِشَارِ فِي الأَمَاكِنِ، فَرَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ خَالِقُ الـمَكَانِ، كَانَ قَبْلَ الأَمَاكِنِ كُلِّهَا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَيْهَا ثُمَّ خَلَقَ الأَمَاكِنَ وَبَعْدَ خَلْقِهَا مَا زَالَ كَمَا كَانَ مَوْجُودًا بِلاَ مَكَانٍ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُغَيِّرُ وَلاَ يَتَغَيَّرُ كَمَا اشْتَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَ عَوَامِّ الـمُسْلِمِينَ وَخَوَاصِّهِمْ إِذْ لَوْ جَازَ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ لَاحْتَاجَ إِلَى مَنْ يُغَيِّرُهُ، وَالـمُحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ لاَ يَكُونُ إِلَهًا.
ثُمَّ الـمَكَانُ إِخْوَةَ الإِيمَانِ هُوَ الفَرَاغُ الَّذِي يَشْغَلُهُ الجِسْمُ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ هُوَ مَا يَأْخُذُهُ الحَجْمُ مِنَ الفَرَاغِ، فَلَوْ كَانَ اللهُ فِي مَكَانٍ لَكَانَ جِسْمًا لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ كَمَا أَنَّ الشَّمْسَ لَهَا طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ وَحَجْمٌ وَشَكْلٌ وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ بِلَا شَكٍّ مَخْلُوقًا مُحْتَاجًا إِلَى مَنْ خَصَّهُ بِذَلِكَ الطُّولِ وَذَلِكَ العَرْضِ وَذَلِكَ العُمْقِ، وَالاِحْتِيَّاجُ يُنَافِي الأُلُوهِيَّةَ، فَوَجَبَ عَقْلًا تَنْزِيهُ اللهِ عَنِ الـمَكَانِ. هَذَا الدَّلِيلُ مِنَ العَقْلِ.
أَمَّا مِنَ القُرْءَانِ فَيَدُلُّ عَلَى تَنْزِيهِ اللهِ عَنِ الـمَكَانِ ءَايَاتٌ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾[سورة الشورى/11] لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اللهُ لَهُ مَكَانٌ لَكَانَ لَهُ أَشْباهٌ كَثِيرَةٌ وأَمْثَالٌ لاَ تُحْصَى وَهَذَا ضِدُّ هَذِهِ الآيَةِ ومُنافٍ لها، فَهَذِهِ الآيَةُ الـمُحْكَمَةُ كَافِيَةٌ لِتَنْزِيهِ اللهِ عَنِ الْمَكَانِ وَالحَيِّزِ وَالجِهَةِ بَلْ وَعَنْ سَائِرِ أَوْصَافِ الـمَخْلُوقِينَ.
وَأَمَّا الدَّلِيلُ مِنَ الحَدِيثِ عَلَى تَنْزِيهِ اللهِ عَنِ الـمَكَانِ فَمِنْهُ مَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَالبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالإِسْنَادِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ اهـ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا فِي الأَزَلِ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، لا مَاءٌ وَلا هَوَاءٌ وَلا أَرْضٌ وَلا سَمَاءٌ وَلا كُرْسِيٌّ وَلا عَرْشٌ وَلا إِنْسٌ وَلا جِنٌّ وَلاَمَلاَئِكَةٌ وَلا زَمَانٌ وَلا مَكَانٌ وَلا جِهَاتٌ فَهُوَ تَعَالَى مَوْجُودٌ قَبْلَ الـمَكَانِ بِلا مَكَانٍ لأَنَّ الْمَكانَ هُوَ غَيْرُ اللهِ بِلا شَكٍّ، والحَدِيثُ يَدُلُّ عَلى أَنَّ اللهَ كانَ ولَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ مَوْجُودًا، إِذًا لَمْ يَكُنِ الْمَكانُ مَوْجُودًا وإِنَّما هُوَ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ اللهُ فَلَيْسَ اللهُ تَعالى بِحَاجَةٍ إِلَيْهِ وَمِنْ هُنَا رَوَوْا عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قالَ: كَانَ اللهُ وَلا مَكَان وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَان[رواه أبو منصور البغدادي في الفرق بين الفرق]اهـ أَيْ مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ وَهَذَا مَفْهُومٌ بِوُضُوحٍ مِنَ الحَدِيثِ السَّابِقِ.
وَقَالَ الحَافِظُ البَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ اسْتَدَلَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي نَفْيِ الْمَكَانِ عَنِ اللهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَىْءٌ وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَىْءٌ، ثُمَّ قَالَ البَيْهَقِيُّ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ شَىْءٌ وَلا دُونَهُ شَىْءٌ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانٍ اهـ وهُوَ أَمْرٌ شَدِيدُ الوُضُوحِ ظاهِرٌ كَالشَّمْس.
إِخْوَةَ الإِيمَانِ، تَنْزِيهُ اللهِ عَنِ الْمَكانِ يَدُلُّ عَلَيْهِ القُرْءانُ والسُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ كَمَا ذَكَرْنَا وَكَمَا تَعْرِفُونَ مِنْ أُصُولِ عَقَائِدِ الـمُسْلِمِينَ بَلْ هُوَ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ العُلَمَاءُ سَلَفُهُمْ وَخَلَفُهُمْ وَقَدْ نَقَلَ الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ كَأَبِي مَنْصُورٍ البَغْدَادِيِّ وَإِمَامِ الحَرَمَيْنِ الجُوَيْنِيِّ وَالرَّازِيِّ وَغَيْرُهُمْ، وَنَصُّ عِبَارَةِ الإِمامِ الفَقِيهِ الأُصُولِيِّ الْمُؤَرِّخِ أَبِي مَنْصُورٍ البَغْدَادِيِّ فِي كِتَابِهِ الفَرْقُ بَيْنَ الفِرَقِ ” وَأَجْمَعُوا أَيْ -أَهْلُ السُّنَّةِ- أَنَّهُ لَا يَحْوِيهِ مَكَانٌ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ زَمَانٌ”اهـ.
أَخِي الْمُسْلِمَ، فَهْمُ هَذِهِ الـمَسْألَةِ جَيِّدًا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدِلَّتِهَا تَمَكُّنًا تَامًّا مِنَ الأُمُورِ الـمُهِمَّةِ، فَٱحْرِصْ عَلَى التَّمَكُّنِ في فَهْمِهَا وَحِفْظِهَا وَبَيَانِهَا وَتَعْلِيمِهَا، فَدِينُ اللهِ غَالٍ غَالٍ جِدًّا وَالشُّذُوذُ فِي الاِعْتِقَادِ مُهْلِكٌ.
اَللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا عَلَى العَقِيدَةِ الحَقَّةِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَٱرْزُقْنَا هِمَّةً عَالِيَّةً لِنُصْرَةِ هَذَا الدِّينِ بِجَاهِ سَيِّدِ الـمُرْسَلِينَ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ.
هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ. . << للاستماع خطبة سماحة الدكتور علوان اضغط هنا >>
#العرب_نيوز ” أخبار العرب كل العرب “