الروائية كاميليا نعيم توقع كتابها ” ضفاف الانتماء “
العرب نيوز ( سدني – استراليا ) احتفلت الكاتبة والروائية كاميليا نعيم بصدور كتابها الجديد ” ضفاف الانتماء ” الصادر عن دار منشورات ” كلمات سدني ” في حفل امبريوم
وذلك بحضور لفيف من الاهل والاصدقاء وعشاق الكلمة ,
البداية كانت مع كلمة الناشر الدكتور رغيد نحاس
” أيّها السيّدات والسادة “أمْثُل أمامكم بصفة مزدوَجة، ولكنّ ضفّتيها لا تتناقضان، بل تتكاملان. فأنا الناشر من ضفّة، ومن الضفّة الأخرى القارئُ الذي وقع في عشق كلمات كاميليا نعيم، وأدرك أهمّية نثر بتلاتها لننعم بها جميعاً. لذلك حين أقوم بهذا العمل، وعلى الرغم من محافظتي على حرفانيّة المراجعة والإنتاج، إنّما أرمي نفسي في نهرها الخالد الذي يلامس ضفّتيه ويجري من أجل ديمومة التعاون والعطاء: وأنْعُمُ بالسباحة.
تكتب كاميليا بعفويّة. وإذا أضفنا تواضعَها إلى المعادلة، نعلم لماذا تردّدتْ في النشر حتّى الآن، رغم تشجيع المقرّبين وبعض الكتّاب والشعراء. ولهذا أعتبر نفسي رابحاً في حصولي على موافقتها على نشر أعمالها. أنا الذي طلبت إليها ذلك.
ولقد علّقت، بجملة أعتبرها من أجمل الهدايا التي تلقّيتها في حياتي، قائلة: “أشكر الأمواج التي رمت بي على شواطئ رعايتك واهتمامك.”
وجوابي يا كاميليا أنّ الأمواج التي تشكرين إنّما هي الأمواج الصاخبة بنبض كلماتك، لدرجة أنّني حين أقرأ أيّ نصّ من نصوص “ضفاف الانتماء” أشعر برغبة كبيرة في تلاوته جهاراً. وهذا ما فعلت طيلة فترة مراجعتي للكتاب. ترنّمت بإيقاع الكلمات التي اصطفّت في جمل مسبوكة بألحان عميقة الصدى فأتاني النصّ كأنّه عازف بارع يعرف كيف يحرّك أوتار مشاعري بحنان كبير، وأحياناً يُحْدِث فيها زلزالاً يكاد يُقَطِّعها.
هذا على الرغم من النفحات الفلسفيّة النفسيّة الاجتماعية التي يعجّ الكتاب بها. وعلى سبيل المثال الأفكار التالية:”خذني صافية كالنار.”
“ما زلت هنا. لكنّني أقسم: لم أفارق هناك …”
“وحدها تَقاطُع الأقدار تعلم معنى المسافة بين أنْ تقيم داخل الذات، أو أنْ تعبر منها.”
“سئمت زحمة موت … وندرة ولادة.”
“أنت المُطفأ الذي لم يستشعر أصلاً وقود لهيب اليقظة. لن تقدِرَ أنْ تقرأ كتاب امرأة تتجوّل بين سطور المعاناة. تمرّ عبر نقاط الدمع. تُحَوِّل صفحات التبعثر قصيدةَ حلم تسكُنُها. تخلق من أركان النَظْم نبض حياة.”
لكنّني يا كاميليا قرأت كتابَك، وتجوّلت معك، ومررت عبر نقاط دمْعِك، وعشت روعة إبداعِك وتكوينِك ليدبّ في فكري نبضُ حياتِك. كلماتك ريّانة ناضجة طنّانة، لكنّها مفعمة بملامح البراءة الأصليّة من زمن الصدق الخالص.
تقولين:
“هذه الطفلة بداخلي تسكن حنايا الروح، تعانق وجداني، لا تريد المغادرة.”
وهو زمن تنسبينه إلى الماضي الذي تحنّين إليه. لكنّي أنسبه إلى الأزل. إلى منطقة من الكون كان فيها الوعي قبل أنْ يكون الإنسان. إلى حيث كان الله.
أكاد أحار كيف لهذا الصفاء الواضح في المشاعر يخرج لنا صرخات منظّمة مدوّية، تضجّ في كيان تلقّينا، لنطير في فضاء الحكمة والجمال، فتكونُ النشوة عارمة.
ليست هذه آهات من ليس لها حول ولا قوّة. إنّها همومُ من يمتلك كنوزاً من الذكاء العاطفيّ. وهي “همومٌ” ليس لأنّها تبتلي صاحبتها فقط، بل لأنّ صاحبتها تحمل كثيراً من أوجاع العالم في فؤادها، وتشعر بغزّة الأوغاد في خاصرتها.
تقولين:
“لستُ معنيّة بغرق أحد. لن تقدر رياح الانهيارات في النفوس الوضيعة على المسّ بعلوّ الأحاسيس.”
تأتي تعابيرك مسبوكة وكأنّها لملمت رموز “نوتة” موسيقيّة كامنة في وعيك، وفرشتها على الورق لوحة تعبيريّة غزيرة المشابك التي تشدّ الوجدان إلى حضنها شدّاً. وهي تعابيرٌ فريدةٌ، في جمل مركّبة بانسياب يزيد من سلاستها الموسيقيّة، لتأتي المقاطعُ النثريّة فواصل من موشّحات شعريّة تكاد تملك عصراً مميّزاً، كأنّه بتلةُ وردٍ ساقطةٍ من أيّام الأندلس.
تقولين:
“أنتَ المسجّى على متن سطور الجدل والظنون؛ عصيّ عليك فكُّ رموزِ امرأة تختصر كلّ أوجهِ التحدّي بنظرة عتاب، ترسم على وجه الخِذلان بسمة الأمل بضبط الإيقاع بين ضجيج الوقت والصمت العميق.”
وتخاطبين أمَّكِ:
“أحتاج لملامسة روحِكِ، لمكان صغير قربَكِ بين دفّتي الحياة والموت. أستعيد من سكرات صمتِك الأبديّ حضنَك، ولو لبرهة من أمان.”
وأنت في هذا كلِّه صاحبُة “نفس طويل” تكتسبينه عمليّاً بعدّة طرق، مثلاً من استعمالك الناجح (وإن بشكل عفوي) لـ”المضاف” الذي يتكرّر في كلمات عدّة تَصِفُ المضاف إليه. وهذه عمليّة خطرة لغويّاً لأنّ معظم من يستعملها قد يفشل في تركيب جملة مفهومة وأنيقة. تقولين كمثال بسيط: “نأتيهم قبل بزوغ فجر شمس العيد …”
وتَمَكُّنُك هذا يُظهر لنا مقدرةً على السرد القصصيّ في بعض الحالات. قصّة كاملة في بضع سطور. تاريخ سرمديّ في هنيهات. هذا ما أسمّيه “النبض بالكلمات”.
يرافقك هذا النبضُ مع أمواج الحياة التي ترميك إلى ضفافٍ مترامية الأطراف متناقضة الأهداف،
تقولين:
“حدِّثني … عن قلبي … الذي أسْكَنْتَه مرغماً، على نقيض، ضِفّتَيْ السفر والعودة.”
لكنّها شواطئ من مدى أوطانٍ تتبنَّينها وتستوعبينها. تقولين في رثاء أخيك الشهيد:
“سلامٌ … لتينِكِ العينين: حين أَغمَضَهُما عِشق الأرض، سكن في حدَقَيهما كلُّ الوطن.”
العينان وطن … وتسكن أوطانٌ كثيرة في مساحات العاطفة التي يَشْغَلُها فكرُك. وفي مفهوم انتمائك، يصبح كلٌّ من الأخ والأب والأمّ والابنةِ والحبيبِ والصديقِ ونبتةِ الطيّون وفنجانِ القهوة والماضي … وطناً يسكن فسيح جنانك المزركشة بحروف إبداعك.
حبُّك للأرض والحقِّ والخيرِ، هو حبّ المناضِلة في سبيل قضيّة، المدافِعةِ عن حدودٍ تريدها عصيّة، الحارسةِ لماضٍ تراه أبيّاً.
ولا أجمل من وصف البروفسورة عيسى لك، من جملة ما وصفت، حين تقول: “المرأةُ.. العروبة، ذات المواقف، تَحمِلُ مفاتيح القدسِ، تَغتسلُ بصدئها، وتلعنُ العربان. إمرأةٌ تثور للإنسان، ولأطفالٍ في اليمن،ذاقوا الجوعَ والحرمان…”
ويقول الشاعر العراقيّ الأستراليّ خالد الحلّيّ في تعليقه حول الكتاب: “إن نصوص الكتاب، التي قد تبدو ظاهريّاً، أنّها تستوحي همّاً فرديّاَ وتعبّر عنه ، نجدها بنظرة متمعنة تنطلق من الخاصّ إلى العامّ، فالهمّ الفرديّ يمكن أنْ يكون همّاً عاماً يرتبط بالآخرين أو أنه جاء بسببهم. فإلى جانب النصوص الذاتيّة والوجدانيّة في الكتاب، نقرأ أيضاً نصوصاً كرّستها للتعبير عن هموم وطنيّة وقوميّة.”
وأنا أقول يا كاميليا إنّ الحبّ ينضح من تعابيرِك التي تأتي صارخة بعاطفة موسيقيّة تملأ النفس حبوراً. ويتفتّح الأمل مهما كان ثمن الانتماء. تقولين: “حين أقيم على ضفاف انتمائي مثل نبتة بريّة، ألتمس التفتّح من شقوق الصخر. أراكَ سياجاً، مواسم اخضرار، وسواقيَ من الحنين.”
نعم كاميليا … صدقتِ إذ قلت: “الكلمةُ لا تسقط. يسقط من لا يجرؤ على بلوغ برّ الوفاء بها.”
وأشهد أنّي حاولت أنْ أكون بارّاً بكلماتك، وفيّاً لنبَضَاتِك، لأنّ البِرّ هو في ديمومة هذه اللغة العربيّة التي ساهمت يوماً بإنقاذ علوم البشريّة من طريق الترجمات والمؤلّفات، ولا زالت تبعث في نفوسنا بهجة من طريق الشعر والغناء، والنصوص الخيّرةِ العطاء، كتفتح أزهار الكاميليا التي ملأتنا دفئاً هذا الشتاء
تلك النظرات التي تحريت عنها، وجدت من بريق صدقها في وفاء عيون لا تجيد التملق، ولا تنتسب لنسيج مراوغ ، وتخنقها العبرات حين الالم يبدو جليا في المشاعر التي تحاكي قضايانا الانسانية. تلك النظرات لمحتني حين كنت افترش على ضفاف انتمائي شالات الحنين، التي كان الشوق يبكي عليها سرا ويضحك علنا، لمحتني حين كنت ألقي عليها عتب السنين وشجن الأيام اقطر عليها عصارة الذات من وهن وقوة ، والتقط أنفاس الامل وانين الغربة،حين كانت تتسع رقعة اللهفة للوطن والأحبة. وحين كنت اتمسك بملامح البراءة، اقاوم قساوة عُمر يطبع بلا رحمة على ملامح وجهي.
تلك النظرات لم ترضى ان تلقي تحية ثناء على بوح الفؤاد وتعبر، وان تربت على كتف الآهات تواسي جراح الندوب وتمضي. بل مدت يدا مفتوحة يتفيء بظلها نقاوة التشجيع والتحفيز والثقة. يدا وارفة الضياء ليس بأنوار وهاجة لتثير الانتباه، وإنما بألوان خافتة تدرك وبعمق سر لون النصوص وتعلم كيف تبرزه بادراك وحكمة.
تلك النظرات أصرت على تبني إيلام الجروح والتساؤلات،وضجيج الخيبات وهنيهات الأمل ،مساحات الضوء والفرح، واخراج مكنونات النفس من ظلمة الأدراج العتيقة وطرحها تحت أشعة نور النشر ليلتقط نبض الكلمات انفاس الشروق ويحيا.
تلك العيون أغدقت على رعاية صفحات كتابي من رحيق الخبرة الناصعة التي يشهد لها الكثير بصفاء حبر قلمها المتمسك بأصالة اللغة الأم، واعطتني بسخاء عطاءً ندياً دون إنتظار مقابل للجهد والمتابعة والترقب لانها آمنت بصدق الكلام وفيض المشاعر. وكان الحصاد كتابي الأول الذي صدر من كنف منشورات كلماته المحصنة بالثوابت والمشرقة بالإبداع.
شكرا د. رغيد النحاس من اعماق قلبي المتعب بشح الانسانية والعروبة المهزومة.
شكرا دكتورة اميرة عيسى سيدة نقش الحناء رئيسة المنتدى الثقافي العربي الاوسترالي على المشاركه القيمة بنقدها الراقي الجميل. شكرا الشاعر المتميز بدوي الحاج المائل إلى عطش، يروي ظمأ الكلمة برحيق التفكر على المشاركة القيمة في هذا اللقاء .وشكر الى الصديقة العزيزة قطر الندى. ندى غنوم سيدة الوفاء والمحبة. والغالية سناء الأخت التي لم تلدها أمي والصديقة الصدوقة صاحبة الاكف البيضاء التي حضرّت واشرفت على رعاية هذا اللقاء على حساب وقتها وصحتها وقدمته بهذا الشكل اللائق المتألق.
شكرا للحضور الكريم من جمع الأصدقاء والصديقات والمهتمين بالدعم الثقافي والادبي على مشاركتي توقيع كتابي الأول، شكرا لعائلتي وأولادي الغوالي.
.كلمة البروفسورة أميرة عيسى
“
الزهرة..زهرة الكاميليا
والعطرُ.. عطر الجنوب
الجسدُ.. في أستراليا
وفي لبنان..بقيتْ القلوب
يا عيونًا هاجرت
ولاحت فيها حرقةُ الدموع
كاميليا يا شتلةَ حبقٍ
انتُزعَتْ من تُرابها
ونسوا
أنّ يقتلعوا معها الجذور
حنينٌ، وألمٌ وانشطار
بين ضفتيّ نهر الحياة
“ضفاف الإنتماء”
هو كتابُ حياةٍ حياةُ امرأةِ الحُبّ والحزن والفراق
إمرأةُ الألم والأمل العابق
مع فوح الزنابق
إمرأةُ الثورة
والعروبة والمقاومة
إمرأةٌ
جُبِلَتْ من تراب الجنوب
وأزهرتْ في سِدني
قصائدَ
تهزّ الوجدان وتُلهبُ الضمير
فراحتْ تكتبُ ما تفيضُ به الصّدور
وتُخَزِّن في الدرجِ العتيق
ما تنؤُ به السنون…
في روحِ الكاتبة تتعدّدُ الصّور، فهناك صورة المرأة الحنونة، الرومنسيّة، المحبّة، العاشقة الخجولة، المتألمة والتي تخفي بداخلها طفلةَ الأحلام…
وهناك المرأة القويّة الثائرة على الأقدار تُثبّتُ الأقدامَ في وجه التيّار…
وهناك المرأة المناضلة، العاشقة لتراب الجنوب ترفعُ رايةَ المقاومة وتفديها بالدمِ والعيون.
المرأةُ.. العروبة
ذات المواقف
تَحمِلُ مفاتيح القدسِ
تَغتسلُ بصدئها
وتلعنُ العربان
إمرأةٌ تثور للإنسان
ولأطفالٍ في اليمن
ذاقوا الجوعَ والحرمان…
•صورة المرأة الوطنية العروبية الإنتماء
الكاتبة قد أُجبرتْ على ترك الوطن ولكنّ الوطن بقي معلقًا في قلبها وعنوان كتابها “ضفاف الإنتماء” يختصر رحلة حياتها المريرة، نهر الحياة الجاري قسرًا، والإنسان ممزقٌ بين الضفتين، تارةً يسيرُ هنا وتارةً هناك ولكن القلب مع الوطن ، الوطن هو الأم التي ما زالت تشدُّ ابناءها بحبلِ سرّةٍ مقدّس لا ينقطع إلا بانقطاع النفَس.
وها هي الأديبة تتساءل في (عبور): “تعايرني بانتمائي إليه؟ ايُّ عُمرٍ أنتَ؟” وتروح تقصّ بحرقة حكاية كلّ طفلة قد انتُزعتْ عن صدر أمها بحجة الحياة الأفضل في بلاد غريبة، تقول: “كنتُ طفلة. هم شدّوا الرحال. هم زرعوا بذورَ الغربة في صفاء الروح ولم يحصد مرارة التغريب على بيادر الزمن سوى أنا (…) لكن جذوري هناك. كانت وما زالت تئِنُّ.. تختالُ.. تزهو..تفترشُ البقاء.. تغفو.. تحلمُ بي.. تتوسّدُ الحنين وتنتظرني…”
هي “دمعٌ تَحَجّرَ في المآقي. ووجه يبست عليه ملامح الوطن” كما باحت في (صافية كالنار). وهي تحلم أن تكون ” نبتة الطيون التي تداوي نزيف الشوق”، وهي ما زالت تحلم بشتلات تبغ الجنوب وتأمل بالعودة، تقول:” أقبّلُ الأغراسَ والجذور وزهور الحدود، أعانقُ أقدامَ من عبروا وثبتوا..”
وهنا تبرز صورة المرأة المقاومة ، الوطنية العروبية، تحملُ القضية في دمها وتصرخ “فلسطين لا تحزني” وتقول في (منازل الإحتراق): “يا فلسطين ارضعي صغارَك رحيقَ صدأ الأبواب التي أوصِدَت، هدهدي سنين الطفولة على حداء أنين الأقفال والمفاتيح”…
هذا اللهب المتوقد يصل إلى (اليمن السعيد) حيث تتساءل الكاتبة: ” كيف لا يذوبُ الثلجُ خجلًا حين تدوس عليه أقدامُ الطفولةِ الجائعة؟”، وتتلهف في (نقش المذلة) على الطفل اليتيم فتقول: “أخجلُ من جوعكَ المتيقظ. أعتذرُ من عظامكَ النافرة.. تفضحُ عُريّ الإنسانيّة”.
هذه الأديبة الثائرة تجدُ الحلّ في نهج المقاومة، ولقد خصصت العديد من نصوصها لتحيّة المقاومة وشهدائها ففي (ثمانية عشر نجمًا)، حيثُ تحيّ استشهاد أخيها مع رفاقه، تقول: ” ذاكَ الجنوب عصيّ! مداده قوافل الأطياب المخضّبة بعطر الشهادة”
وفي (المعراج) تخاطب الشهيد المقاوم، تقول: ” أكمل معراجَكَ نحو السّماء حيثُ قافلة مَنْ صدقوا”.
ولا تتوانى عن مهاجمة “جرذان النفط ومن يبرم صفقات العار”، وتؤكد أن قضيّة فلسطين ستُحلّ “بشموخ أصبعٍ ملؤه الحق والثورة والغضب”، ذاك الأصبع الطاهر الذي حاكَ في تموز “خيوطَ النصرِ وعدًا”، هناك في جبل عامل، حيث الرجال عباءة أرضٍ.. وصولجان الكرامة… جبل عامل هو اسطورة المجد”.
•الأسلوب
كلّ هذه المعاناة، هذا الألم، هذا الأمل، هذا الحلم، كلّ هذه التجارب المتنوعة في حياة مليئة بالحياة، سطّرتها الكاتبة بنثرٍ تزينه الصور وتحفّه الأحاسيس ليرتقي إلى مصاف الشعر البديع، موسيقاه الداخليّة تعزفُ على أوتار الحنين والحب والفراق وحرقة الإنسلاخ عن الوطن. أسلوبها الراقي يعتمد كلمات منتقاة من واقع الحياة، بعيدة عن الفزلكة والقواميس.
“ضفاف الإنتماء”، هو كتاب يضمّكَ وتضمّه، يعشقكَ وتعشقه.. تقرأه بشغفٍ.. تنظر إلى نصوصه وتقول: أليسَ من مَزيد!؟
كلمة المهندس بدوي الحاج ”
ضِفافُ الانتِماء ” لِـ كاميليا نْعيم : مَسكونٌ بِالمَطَر وجنون الرّيح
هي طفلةٌ، كَباقي الأطفال، تَسكن حَنايا الرّوح، تَحمِلُ ثِمارَ الأمَل . طفلةٌ تَرفضُ أن تُغادِر طفولَتِها .
هي الوَجه الآخَر للحزن والفَرَح، هي لُغَة الفراشات وحنينُ تَقَمُّصَها . هي مطرٌ يَلقي التحية على صَباحٍ “يُفَرفِكُ” عَيْنَيْه نَعَساً . هي التي آمَنَت بِزنابِق الفَرح، وَحدَها، بعيداً عن سَوادِ الخَيْبات، جالِسَةً على ضِفَتَيْ البَقاء والهروب .
إنها المُناجاة اليومية بِطَريقة سَردِيّة في نُصوصٍ سَلِسَة فيها الكَثير من الماء الجّاري بِطَريقة موسيقية شفّافَة، تَأخذكَ إلى حافّةِ البَحر حيثُ تَدرك الأُفقَ وتُلامِس السّماء !.
كَتَبَت كاميليا نْعيم : ” أزدادُ التِصاقاً حيثُ لا أَكون، وأبعُدُ أكثَر حيث الوجود أربَكَني . هو انهيارُ رُكنٍ من العُمر أَم ضَجيجُ أمنيات … سُجونٌ بِلا قُضبان “.
هي تَنشُدُ الحُريّة وحيدةً، دون أيٍّ كان، وليسَ في أيِّ مكان !
إنها تَفاصيل الصَّمت داخِل امرأة، خارجَ التَّقويم الزَّمَني العاطِفي، تَنتَظِرُ أبَديّة اللِّقاء …
تَغمِضُ عيْنَيْها وهي تَعلَمُ أنَّها خارجَ الصَّدى، بعيدةً عن كلِّ حُلُم .
هي فَراشةٌ تَلطُمُ بابَ الصَّمتِ مِراراً، تَلطُمُ الضَّوءَ بِنِصفِ قلبٍ، بِنِصفِ وَجهٍ، بِنِصفِ روح ..!
هي بُرعُمٌ تَفَتَّأَ في شقوقِ الصَّخر، فَأضحَت نَبتَةٌ بَرِّيَة تَتَنَفَّسُ على ضِفافِ الانتِماء !
هي كاميليا تَتَقَوقَعُ كَجَنينٍ في رَحَمِ الدَّهشَة .
هناكَ الكَثير من المَلَل والسّأمِ والكلمات المُبَعثَرة، وهناكَ الكَثير، أيضاً، من الشَّغَفِ والشَّوقِ والعِشقِ، ومَزيجٌ من الحُزنِ والفَرَحِ والاشتِياق فوق أكوامٍ من المَنطِق والعَبَثِية الجميلة المَنثورة فوقَ صَفَحات هذا الكِتاب .
هي الوطَنُ الذي سَكَنَ القَصيدة، بِمَزيجٍ من عَبَقٍ قديم يَلوذُ في صَمتٍ يُشبِه الزُّهدِ، يُرافِقُهُ حُزنٌ رَقيق شَدَّ الرِحالَ إلى غُربَةٍ قاسية، لأنَّ الغُصنُ كان طَريّاً وزهور الكاميليا بَقَتْ هناك، تَئِنُّ، تَختالُ، تَزهو وتَفتَرِشُ التُّراب … إنه العُبور إلى الأعياد الزّائفَة حيث يَستيقظ الوَجَعُ قبلَ بزوغِ كُلِّ فجرٍ، قبلَ الغَسَقِ بِقليل !
هي ظِلالُ إصْبَع يَرفضُ حَجْبَ الشمسِ عن قُدسِ فِلَسطين، حيث كتبَتْ كاميليا : ” فِلَسطين لا تَحزَني . لا تَجزَعي، وَليَهدأ أنينُكِ . لا تَذرُفي الدَّمعَ، وتَنتَحِبي أو تَعتَبي .
لَمْ يَكُنْ رِهانُكِ على الوجوهِ الكالِحَة والرُّجولة المُخَنَّثَة وجرزان النَّفط، ومَن يُبْرِم صَفقاتِ العار ويَأخُذ الأثمانَ مَذَلَّة …”
وتَموز، أيضاً، هو بَدرٌ يَسطَعُ، هو مِحرابٌ يَنتَظِر، هو وَعدٌ يَفتَرِشُ سَجّادةَ صلاة !
ذاكَ الجنوبُ عَصِيٌّ !
عَصِيٌّ على كُلِّ غَضَبِ الكَونِ وعَناقيدِه، عَصِيٌّ على كُلِّ غازٍ، على كُلِّ مُجرِم، تُرابُه يَحضُنُ شُهداء أُمَّتِنا، ومَجدُهُ جَبَلٌ عامِلٌ صَولَجانَه بأسٌ وكرامة !
في نهاية المَطاف، تَعود أديبَتُنا إلى جذورِها، إلى بَلدَتِها، إلى طفولَتِها، إلى أُمِّها، إلى أبيها، كأنَّها لم تَرحَلْ !
وكيفَ تَرحَلْ، وهي لَم تُبارِحْ جَنوبِها يوماً .
في النهاية، كما في البِدايَة، دأبتْ كاميليا على كِتابَةِ الوَطَنِ والحُبِّ والانتِماء في أسلوبٍ يَتماهى وعُذوبَةِ اللَّحن، فَيَنبُضُ قَلَمُها باليَراع ودَماثَةِ الابداع في أسلوبٍ سَلِسٍ يَتَكَلَّلُ بالوَصفِ المُمتِع الذي لا يُدرِكُه مَلَلُ .
” ضِفافُ الانتِماء ” هو أوَّلُ الغَيث لِزَهرَةِ الكاميليا كي تَبقى مَسكونَةً بالمَطَرِ وجُنونِ الرّيح !
ثم كلمة المؤلفة الكاتبة والرؤائية كاميليا نعيم “ حافّة الرجاء “
.أهدني غيابك قليلاً. أريد أنْ آخذ غفوة. هذا القلق يأتيني على حين صحوة، على هيئة فوضىً مستبدّة. زحفٌ من سباق التهكّم يحوم حول سريري، ينتظرني لألقي برأسي على الوسادة. يسابقني بمكر، ودوماً يسبقني. لصّ متمكّن يحترف نكأ الجراح، وسرقة الأحلام. يتعدّى على حرمة سكوني. يُقلّب مواجعي على تأمّلات هادئة، لكنّها حارقة. يحرّك إناء تأملي بأصابع الشماتة، ويلقي بأعواد رجائي حطباً تحت موقد ذاكرة تعجّ بالإحباط والجراح: يتلذّذ بقلة حيلتي.
أحتاج أنْ أسهو قليلاً، لا كثيراً.
ابتعد عني … أنا أكتفي بحافّة السرير. لماذا لا تعبث بكلّ تلك المساحة في الجهة المقابلة؟ تصفّحها بغية نسياني. تستطيع أنْ تصول وتعربد في الفراغات الكثيرة. اتركني في أحضان الضجر والزاوية التي يسعفني ضيقها. لا تسألني عن اغتيال الصدق في وضح الوقاحة، ولا عن استفزاز الشعارات وكلّ الترّهات بغطاء الإنسانيّة. ولا كيف يمضي النفاق بالنزاهة مستخفاً.
أعلن لك عجزي عن القصاص والتعقّب والسوق للمحاكمة وتصفية الحسابات مع القدر.
لا أستطيع أنْ أغيّر وجهة سير الظلم، لكنّني أذكر دروب الإنصاف وأرصفة الرحمة. لا أملك إمكانيّة استعادة رغيف الخبز من البطون المتخمة بالجشع والبذاءة والكراهية، لكنّني أتضور جوعاً لنصرة أفواه الطفولة المبعثرة على امتداد خارطة الجياع في الأزقة، وكلّ الساحات المهملة. لا أملك مقوّمات التغاضي واللامبالاة، ولا قدرة لي على تمزيق قرارات التعسّف والتزوير وإعادة ترتيب الأحكام الجائرة، لكنّني اقرأ جيداً نصوص الألم والمعاناة.
لا أملك القوة على الولوج من أبواب العدالة لإنصاف البشريّة الرازحة تحت نير التعسف والتنكيل. صرختي لا تصل إلى أبعد من سور حديقة جارتي. كيف لحنجرتي المكتومة بالأنين المزمن والقهر أنْ تطلق دويّ انفجار يزلزل عروشاً ويدمّر صوامع شَيّدت بنيانها على جماجم الفقراء والمحتاجين والمقهورين؟
دعني أنام قليلاً. أشعر بالدُوَار. خذ مفاتيح حوارنا الصامت، أحكم إغلاق باب القهر، وارحل. أعترف لك: لا عدالة على الأرض. أقرّ لك بعرفان القلق: يخجلني أنْ انام قريرة العين، وقناديل العيون الكثيرة التي يؤرقها الغبن لا يطفئها الكرى. تنتظر مثلي أنْ يبتعد عنها القلق علّنا ننام سويّاً.
ثم ألقت كلمة شكر للدكتور رغيد النحاس ” تلك النظرات التي تحريت عنها، وجدت من بريق صدقها في وفاء عيون لا تجيد التملق، ولا تنتسب لنسيج مراوغ ، وتخنقها العبرات حين الالم يبدو جليا في المشاعر التي تحاكي قضايانا الانسانية. تلك النظرات لمحتني حين كنت افترش على ضفاف انتمائي شالات الحنين، التي كان الشوق يبكي عليها سرا ويضحك علنا، لمحتني حين كنت ألقي عليها عتب السنين وشجن الأيام اقطر عليها عصارة الذات من وهن وقوة ، والتقط أنفاس الامل وانين الغربة،حين كانت تتسع رقعة اللهفة للوطن والأحبة. وحين كنت اتمسك بملامح البراءة، اقاوم قساوة عُمر يطبع بلا رحمة على ملامح وجهي.
تلك النظرات لم ترضى ان تلقي تحية ثناء على بوح الفؤاد وتعبر، وان تربت على كتف الآهات تواسي جراح الندوب وتمضي. بل مدت يدا مفتوحة يتفيء بظلها نقاوة التشجيع والتحفيز والثقة. يدا وارفة الضياء ليس بأنوار وهاجة لتثير الانتباه، وإنما بألوان خافتة تدرك وبعمق سر لون النصوص وتعلم كيف تبرزه بادراك وحكمة.
تلك النظرات أصرت على تبني إيلام الجروح والتساؤلات،وضجيج الخيبات وهنيهات الأمل ،مساحات الضوء والفرح، واخراج مكنونات النفس من ظلمة الأدراج العتيقة وطرحها تحت أشعة نور النشر ليلتقط نبض الكلمات انفاس الشروق ويحيا.
تلك العيون أغدقت على رعاية صفحات كتابي من رحيق الخبرة الناصعة التي يشهد لها الكثير بصفاء حبر قلمها المتمسك بأصالة اللغة الأم، واعطتني بسخاء عطاءً ندياً دون إنتظار مقابل للجهد والمتابعة والترقب لانها آمنت بصدق الكلام وفيض المشاعر. وكان الحصاد كتابي الأول الذي صدر من كنف منشورات كلماته المحصنة بالثوابت والمشرقة بالإبداع.
شكرا د. رغيد النحاس من اعماق قلبي المتعب بشح الانسانية والعروبة المهزومة.
شكرا د. رغيد النحاس من اعماق قلبي المتعب بشح الانسانية والعروبة المهزومة.
شكرا دكتورة اميرة عيسى سيدة نقش الحناء رئيسة المنتدى الثقافي العربي الاوسترالي على المشاركه القيمة بنقدها الراقي الجميل. شكرا الشاعر المتميز بدوي الحاج المائل إلى عطش، يروي ظمأ الكلمة برحيق التفكر على المشاركة القيمة في هذا اللقاء .وشكر الى الصديقة العزيزة قطر الندى. ندى غنوم سيدة الوفاء والمحبة. والغالية سناء الأخت التي لم تلدها أمي والصديقة الصدوقة صاحبة الاكف البيضاء التي حضرّت واشرفت على رعاية هذا اللقاء على حساب وقتها وصحتها وقدمته بهذا الشكل اللائق المتألق.
شكرا للحضور الكريم من جمع الأصدقاء والصديقات والمهتمين بالدعم الثقافي والادبي على مشاركتي توقيع كتابي الأول، شكرا لعائلتي وأولادي الغوالي.