علي لاغا : انعدام المسؤولية وانهيار المجتمع من منظور علم الاجتماع
العرب نيوز (رؤوس – أقلام ) بقلم د. علي لاغا -شكا لي أحد الأصدقاء الذي أحترم وأقدر عن حال الناس وعدم توحدهم لحل مشاكل منطقتهم والأمر بات فوضى لا أحد يحترم أحداً ، مما ألزمني كتابة ما أعلم وبالتأكيد علمي قليل وأنه فوق كل ذي علمٍ عليم :
إن الذي أوصل مجتمعنا للانهيار لاينحصر بعامل واحد ، بل في عوامل عدة :
١-الثقافة التي راجت في الحقبة الذي أُوهِم الناس فيها أن مايتم نشره وتعليمه سيكون عامل نهضة للشعوب التي تعيش هزيمة الحرب العالمية الأولى وما أعقبها والكيانات التي تم رسمها وفرضها، وقد ركزت تلك الثقافة على تفكيك المجتمع والأسرة وأعلاء شأن الفرد .
٢- نشوء الأحزاب التي تبدأ شعاراتها قيماً ووعوداً بفجر جديد وحرية وسعادة وحدائق غناء فيجتمع حولها الحالمون بوضع أفضل ، وتبدأ بالتضخم مما يحوج قادتها إلى المال لاستيعاب أعضاء الحزب يفضطر المسؤولون للاستعانة بمن يمولهم ثم تنخرط تلك الأحزاب بالتنافس السياسي رغبة من قادتها بالوصول للسلطة وبسحر ساحر تستدرج إلى الصراع فتضطر لمد اليد لجهة تساعد فتقع في الفخ المنصوب لها من لدن الأقوياء الذين يتحكمون في مصير البلاد فعلاً فيمدون كل من يندفع بلا وعي بالمال والسلاح ، ولا يُستغرب أن يكون الداعم والممول هو نفسه لكل الأفرقاء المنخرطين في مستنقع الاقتتال ومقصلة الموت .
عندها تضطر القيادات المُشْتَرِكة في مُضْطَرب التناحر للإحتفاظ بأعضاء الحزب الذين أشبعوا لسنوات بالقيم والمثاليات والاستعانة بالجماهير التي تهيم على وجهها في الإقتتال والمظاهرات وما يرافقها من حرق وتكسير وتهجير وفق خطة معدة مسبقًا دون معرفة منفذيها بها ، كما أن حماسهم الذي انفعل نتيجة شحن إعلامي يفقد الجماهير القدرة على التفكير بما تفعل ، في العام ١٩٨٦ قلت لأحد قادة الأحزاب الذي شارك بالأحداث :
إن المجموعات التي تنتقل من المغلوب للغالب تسيء لسمعة من تعمل معهم فقال عندنا ثلاثة آلاف قتيل وعدد أعضاء حزبنا يساوي هذا العدد فلولا الاستعانة بهؤلاء لانتهينا ، وقديماً سطع مصطلح جيش الصحابة وجيش الأعراب ، هذا ما يحصل وينتج عنه التوحش في الإقتتال والتدمير .
٣- الإغاثة والعمل الخيري :
إن هذا المرفق أدى إلى الشك والريبة بغالب من شارك فيه ، لقد نشأت آلاف الجمعيات التي تجمع التبرعات وتحصل على الهبات ، لقد ظهر ثراء غير مقبول على متوليها مما أحدث تفككاً في المجتمع وإحجام المستطيعين عن التبرع ، كما أن إساءة استعمال بعضها لأعمال لم تكن في صالح المجتمع الذي ساعد على إقناع دول بحصر دفع الزكاة والتبرعات للمنظمات الأممية كي لا تُنفق على الإرهاب ( اللعنة التي تم وصم مجتمعنا بها ) وهي تنفق الآن لتخريب قيم مجتمعنا وإثراء من يشارك في توزيعها لم يتغير ، فالفساد واحد .
٤- جمود المسؤولين في السلطة :
إن جمود من في السلطة عن الاستعانة بخبراء أكفاء ومراكز أبحاث جادة تستقطب مخترعين ومجتهدين وتُمول بما يكفي كي تُقدم ما يُطور الحياة وعدم نشوء أزمات وتزويد الناشئة بمناهج علمية تنتج ولا تقتصر على الإستهلاك وتسخير كل ممكن فوق الأرض وكامن في بطنها ورفع منسوب القيم بتربية خُلُقية وانتماء عند الأجيال المتعاقبة وقطع دابر الفساد وعدم تقريب النفعيين والمتزلفين والمفسدين وتعويد الرعية على العمل وفق القانون وليس اتباع الغرائز والهوى، إن عدم تسيير الحكم وفق ماورد وأكثر يؤدي إلى مانراه والمشاهدة أبلغ من الكلام.
أن على من في السلطة إقناع الرعية بالممارسة وليس بالإعلام أن الأجهزة الأمنية لحفظ سلامتهم وليس لتصفية المعارضين بالرأي والسياسة ، وليس بالعنف ، وإنشاء قضاء عادل وعلى المستوى ، ومن يتولون مواقع أمنية وقضا ئية ومدنية لاتكفيهم الشهادات فقط بل المحضن الاجتماعي والتربوي الذي بعدم توفره يحصل عبث وإذلال في التعامل مع المواطنين.
٥- على من يتولى أمراً أن يُنزل الناس منازلهم ورفع شأن أهل الفضل والإصلاح وعدم إقصائهم وتعويم أهل السوء استجابة لنصائح مكيافيلي في كتابه الأمير بإبعاد أهل الفضل وتقديم الأباقين والمتساقطين والاستعانة بالأقلية في المجتمع وعدم السماح لها بمصادقة الأكثرية بل التناحر والعداء معها ( بتصرف ) .
هذه بعض العوامل التي خربت مجتمعنا ووصلت به إلى الفوضى وفقدان الرشد وعدم القدرة على التعاون والإصلاح ومعالجة الأزمات وفقدان الأمن.