ميسون الدخيل : نظرية العرق النقدية: هل تستحق الجدال
العرب نيوز( روؤس – أقلام ) بقلم د.ميسون الدخيل -من خلال اهتمامي التربوي بكل ما هو متداول على الساحة التربوية، لفت انتباهي تكرار «نظرية العرق النقدية CRT»، واستخدامها كأحد المخاطر التي يجب مواجهتها ومنعها في المدارس لدورها في نشر ثقافة مجتمع الميم وبقية أبجديته إضافة إلى تأكيد العنصرية وبث روح التفرقة والبغض بين أفراد المجتمع، ومن هذا المنطلق دخلت إلى عالم الأدبيات والحوارات والنقاشات التي تناولت هذه النظرية، أردت هنا أن أكون موضوعية وأن أذهب للمصدر وأبحث عن البدايات وأتابع التطورات ليس إلا كي أفهم ما الذي يحدث وما هي خطورة الموضوع، إن وجد، بالنسبة إلينا في مجال تنشئة أجيال المستقبل وصحة المجتمع وثباته على أسس ديننا الحنيف، فمن المعروف أن كل نظرية تدخل المجال التربوي تصلنا بطريقة أو بأخرى، فإن لم يكن عن طريق الدراسات الأكاديمية، تكون عن طريق استراتيجيات التدريس وبناء المناهج.
من أسباب الاهتمام بنظرية العرق النقدية في الآونة الأخيرة هو اعتبارها إطار لتحليل قضايا العنصرية والعدالة الاجتماعية، ومن ثم العمل على معالجة عدم المساواة العرقية التاريخية (والقصد هنا في الولايات الأمريكية المتحدة)، ووجدت التعريف التالي: هي إطار نظري في العلوم الاجتماعية يستخدم النظرية النقدية لدراسة المجتمع والثقافة من حيث صلتها بتصنيفات العرق والقانون والسلطة. بدأت النظرية كحركة نظرية داخل كليات الحقوق الأمريكية في منتصف إلى أواخر الثمانينيات كإعادة صياغة للدراسات القانونية المهمة حول قضايا العرق، وهي تدور بشكل خاص حول موضوعين شائعين: أولاً، أنه يتم المحافظة على تفوق البيض والسلطة العرقية بمرور الوقت، وأن القانون بالتحديد قد يلعب دورًا في هذه العملية. ثانيًا، باستخدام أدوات النظرية العرقية النقدية يساهم بإمكانية تحويل العلاقة بين القانون والسلطة العرقية، وسعت النظرية بشكل أوسع إلى مشروع لتحقيق التحرر العنصري ومكافحة التبعية، وتُدرس هذه النظرية كما يتم استيعابها وتطويعها في مجالات التعليم، والقانون، والعلوم السياسية، ودراسات المرأة، والدراسات الإثنية، والتواصل، والدراسات الأميركية.
والجدير بالذكر أن العلماء الذين يدرسون نظرية العرق النقدي في مجال التعليم يبحثون في كيفية مساهمة السياسات والممارسات في التعليم من مرحلة رياض الأطفال حتى نهاية التعليم الثانوي في استمرار عدم المساواة العرقية، ويطالبون بالبحث وإيجاد طرق لتغييرها؛ ومن بين الموضوعات التي درسوها: المدارس المنفصلة عنصريًا، ونقص التمويل في المناطق التعليمية ذات الأغلبية السوداء واللاتينية، والتأديب غير المتناسب للطلاب السود، والعوائق التي تحول دون برامج الموهوبين والمدارس الثانوية ذات القبول الانتقائي، والمناهج الدراسية التي تعزز الأفكار العنصرية. بناء على دراسات وإحصاءات ومعلومات تم تجميعها ودراستها وتحليلها تجد أن لديهم وجهة نظر، وربما حق في متابعة هذا الخط من المطالب، لكن ما تطور من ذلك كان شيئَا آخر، وهنا تكمن الخطورة!
لو أن الأمر بقي في المجال الأكاديمي من دراسات وتجارب وتقديم مقترحات، بل ومتابعة هذه المقترحات في الأروقة النظامية والطرق القانونية، لما كان هنالك خلاف ولكن الأمر نزل إلى المدارس ليشمل الأطفال والمراهقين والشباب! كيف؟
رغم أن عدة ولايات حظرت تدريس النظرية في المدارس، وربما المزيد من الحظر في الطريق، ولكن بصرف النظر عما قد يعانيه بعض المعلمين من تقييد الحرية في التدريس واختيار المصادر، إن النظرية تدرس فقط في الجامعات، ولكن عندما بحثت عن طرق التطبيق وجدت أن المعلمين المنتمين لهذا التيار وغالبًا ما تم تدريبهم خلال فترة التأهيل الجامعي أو ورش العمل، يقومون بالتالي أو على نسقه، وهو بالمناسبة ما اعترض عليه الأهالي:
عندما يتم تطبيق النظرية، يتم برمجة الأطفال على أن يكرهوا بلدهم وأن يكرهوا بعضهم البعض؛ حيث يتم تعليم الأطفال أن يركزوا على لون بشرتهم، بل يتم إخبارهم بأن هذا هو ما يميزهم وأن بلدهم مكان عنصري في الأساس وعليه يجب إعادة تشكيله.! يطلب المعلمون من التلاميذ مقارنة لون بشرتهم بترتيب الطباشير الملون ومشاهدة مقطع فيديو يصور الأطفال السود القتلى وهم يتحدثون إليهم من وراء القبر! ووفقًا للإدارات التربوية التي تمارس هذا المنهج؛ يجب اعتبار أولياء الأمور، عائقًا أمام العدالة الاجتماعية! أي تجاهل مخاوف واعتراضات أولياء الأمور ودفع أيديولوجية مناهضة العنصرية مباشرة للطلاب! وهنا لا ننسى بأنهم في هذا الوقت من التطبيق قد دخلت على النظرية توسعات وشملت مجتمع الميم و أبجدياته! وقد يعتقد البعض أنه فقط المتدينين هم من يعترض على ذلك ولكن يوجد الكثير من غير المتدينين أيضًا، وقد يعتقد البعض أيضًا بأن البيض هم فقط من يعترض ويناهض تطبيق هذه النظرية ولكن وجد أن الكثير من السود يعارضون ذلك، فعلى سبيل المثال لا الحصر قامت أم سوداء بمقاضاة مدرسة في ولاية «نفادا» حيث ادعت أن ابنها الثنائي العرق، حصل على درجة رسوب في مادة علم الاجتماع لرفضه ربط جوانب من هويته بالقمع والهيمنة! كما أجبرت معلمة في مدرسة ابتدائية في ولاية كاليفورنيا مجموعة من طلاب الصف الثالث ابتدائي على تفكيك هوياتهم العرقية، ثم تصنيف أنفسهم وفقُا «لقوتهم وامتيازاتهم»! والأخطر من ذلك أن أحد المسؤولين في مدرسة بولاية ميسوري، أصدر تعليمات للمعلمين بإنشاء مجموعتين من المناهج الدراسة: مجموعة مزيفة لمشاركتها مع أولياء الأمور، ثم المجموعة الحقيقية للمناهج التي تركز على موضوعات التمييز العرقي والاثني! كيف تم كشف هذه الإجراءات؟ من قبل أعضاء هيئة التدريس ممن لم يعجبهم ما يحدث، منهم من فضل أن يبقى خلف الظلال حتى لا يفقد لقمة عيشه ومنهم من اعترض وقدم استقالته كما فعلت المعلمة «بلو»، وهي بالمناسبة معلمة حائزة على جوائز، بعد عدة محاولات للدفاع عن القيم المؤيدة للإنسانية في التعليم، حيث طلب منها أن تقسم تلاميذها إلى فئات: ضحية، مضطهدة، أو ذات امتيازات!
بالنهاية أترككم مع مقتطفات من مقدمة الطبعة الثانية لأول كتاب عملي تناول النظرية وتطبيقاتها بعنوان «مقدمة إلى النظرية العرق النقدية»؛ فبعد التحدث عن التغييرات الأخيرة في الولايات المتحدة من رئاسة أمريكي «أسود» وحقوق المثليين، وغيرها من الأحداث التي طالت المجتمع الأميركي، تحدث المؤلفون في مقدمة كتابهم قائلين: “كمجال، لاحظت نظرية العرق النقدية كل هذه التطورات، وهذه المقدمة تتناول ذلك أيضًا…… تعتبر نظرية العرق النقدية ضرورية لفهم التطورات في هذا المجال المزدهر، والذي انتشر إلى التخصصات والبلدان الأخرى، ويغطي الإصدار الجديد أيضًا الطرق التي كيفت بها المجتمعات والتخصصات الأخرى تعليمها، وبالنسبة للقراء الراغبين في دفع جدول أعمال تقدمي حول السباق، فإنه يتضمن أسئلة جديدة للمناقشة، تهدف إلى تحديد الخطوات العملية لتحقيق هذا الهدف!
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل كليات التربية عندنا على جهوزية وعلم بما يجري في أروقة التعليم في الخارج؟ هل معلمينا ومعلماتنا على جهوزية لمواجهة هذا التيار من الأفكار المناهضة لديننا الحنيف والوحدة والتعايش ما بين أبناء الوطن، وهنا أعني ليس معرفة فقط بل استراتيجيات ومهارات التطبيق؟ هل وصل للمسؤولين لدينا أهمية كليات التربية وخطورة تأهيلها وتجهيزها لتستوعب كل ذلك، إضافة إلى المستجدات التي يحملها كل يوم تطبيقات الذكاء الاجتماعي؟ كليات التربية هي القلب النابض فهل ما زال ينبض!