د. جارح المرشدي : الوطن للمواطن

العرب نيوز (رؤوس – أقلام ) د. جارح بن فارس المرشدي أستاذ الإعلام بجامعة لملك سعود – المملكة العربية السعودية وطنٌ ليس ككل الأوطان ونعمة ليست ككل النعم ولنا في التاريخ شاهد وعنوان فلنحافظ عليها بطاعة ولاة أمرنا والبعد عن المساس بقيم مجتمعنا التي تشبث بها السابقون واعتد بها المعاصرون وتبلورت على مر عقود مضت كاحترام الرموز الدينية والاجتماعية تحت قيادة عادلة ورشيدة. يردد الكتابُ والمحللون السياسيون أن من أبرز أسباب ثورات الشعوب على حكوماتها انتشار الظلم، التمييز الطبقي، انتشار الجهل، البطالة، وتدهور البنى التحتية التي تسهم في توفير حياة كريمة للمواطن بالاعتماد عليها لنهضة المجتمع بتعليم الإنسان وإعمار البنيان. ولكن الأسباب لم تقف عند هذا الحد فتغيرات التاريخ تنبي عن أخطار أكثر فتكاً بالمجتمعات وأعصى لتقبل العلاج ورأب الخلل وسد الثغرات بسبب انتقال الحروب من حروب الثقافات لما هو أخطر منها.
كانت حروب الثقافات تهدف لتكوين حضارة عبر هيمنة دولة على حيز جغرافي مجاور، أو أكثر، وفرض ثقافتها لتحل محل الثقافة الأصلية. إلا أن نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين شهدا تحولاً كبيراً، أدق استهدافاً وأقوى خطراً باستهداف تماسك النسيج الاجتماعي. فلم تعد الثقافات العامة هي الهدف بل أصبح الانتماء الديني، العرقي، ثم السياسي هو المستهدف لتفتيت المجتمعات. حيث نجحت بعض الدول الإمبريالية في تمزيق المجتمعات ودق الاسفين بين مكوناتها الاجتماعية وزرع الفرقة بإيقاد الحقد الطائفي المقيت الذي ذكره السياسي الأمريكي المخضرم صامويل هينغتون في كتابه “صدام الحضارات”، الذي طبع في التسعينيات من القرن الماضي، ليتنبأ بأنواع الحروب في الألفية الجديدة. هل صدق هينغتون؟ هل كانت نقاشاته وغيره من المهتمين بالسياسة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي حول هذا النوع من الحروب مصادفةً؟ أم كان استقراءً للمستقبل بني على تمعن في التاريخ وقراءة للواقع. أم أنها نظريات تم اتباعها مثلما تم اتباع نظرية قلب الأرض (Heartland) للبريطاني هالفورد ماكيندر عندما رأى ضرورة إيقاف التمدد الألماني والروسي المهدد للنفوذ البريطاني. كذلك، نظرية الإطار أو الأطراف للأمريكي نيكولاس سبيكمان الذي اختلف مع من سبقه وذهب إلى أن من يتحكم في منطقة الأطراف أو الحافة (Rimland) سيتحكم في الأرض. ثم جاء التحول من قوى الأرض إلى القوة الجوية للروسي اليكسندر دي سفرسكي بعد ما قدمته القوة الجوية من نتائج مؤثرة في الحرب العالمية الثانية ليفترض أن من يمتلك التفوق الجوي سيسيطر على العالم.
نعم، مبدئياً أصابت كل النظريات السابقة في تناولها للخطر القادم من الخارج وحققت ما ذهب إليه أصحابها ولكن! هل نحن نعايشُ ما ذكره صامويل في كتابه “صدام الحضارات” من انتشار الحروب الطائفية العرقية والدينية؟ والتي تخرج من المجتمع ذاته. هل من يعلن ولاءه الديني العابر للحدود في بعض الدول ويجعله مقدماً على ولاءه لوطنه الذي احتضنه وأمنه وقع تحت تأطير تلك النظرية؟ هل ما نراه من تخلف عصف ببعض البلدان التي كانت تعيش في أمن وأمان وأصبحت ساحات لحروب طائفية وانقسامات عرقية كان نتيجة لهذه النظرية؟ هل كان استقراء الفلاسفة مصيباً أم أنها الصدف؟
من جانب آخر تألف قلوب البشر أوطانها وتتغنى في حبها وتتعلق بها على مر العصور رغم تبدل الأحوال وتتابع الأجيال فنرى الشاعر ابن الرومي يشبه الوطن بالأم قائلاً:
موطنُ الإِنسانِ أمٌ فإِذا….. عقَّهُ الإِنسانُ يوماً عقَّ أمَّه
وما أجمل ما قال الشاعر السعودي أحمد سالم في حب الوطن:
الناسُ حُسَّادُ المكانَ العالي ….. يرمونه بدسائسِ الأعمالِ
ولأنْتَ يا وطني العظيم منارةٌ….. في راحتيْكَ حضارةُ الأجيالِ
لا ينْتمي لَكَ من يَخونُ ولاءَهُ…. إنَّ الولاءَ شهادةُ الأبطالِ
يا قِبْلةَ التاريخِ يا بلَدَ الهُدى…. أقسمتُ أنَّك مضرَبُ الأمثال
أخي المواطن وأختي المواطنة لا تنظر للوطن كدار عبادة لطائفة، ولا أرضٍ لعرقٍ، ولا مقرٍ لحزبٍ سياسي، فالوطن فضاءٌ جامعٌ يجتمع فيه أبناءه على اختلاف أعراقهم واتجاهاتهم الدينية ليحموه. ففي الوطن تحفظُ كرامتهم ويُعتنى بهم صحياً، علمياً، اجتماعياً، وثقافياً حتى يكونوا لبنة بناء تسهم في بناء وطنها لحاضر ملهم نستحقه، وغدٍ أجمل لأجيال تطلبُ منا التخطيط والاهتمام. حفظ الله سيدي خادم الحرمين الملك سلمان وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء قائد الرؤية شبهك أنت وأنتِ أيها المواطن والمواطنة بـ “جبل طويق” ثقة وتشجيعا فلنكن على قدر الثقة.