|
الإثنين، الموافق ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ ميلاديا

العرب نيوز ( سدني – استراليا ) خطبة جمعة للشيخ محمود علوان الحسيني – إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديْه ونَشكره، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ولا مثيلَ له، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ له، كانَ ولا مَكان، وهو الآنَ على ما عليه كان، تَنزّه ربي عنِ الأشباهِ والنَّظائر، سبحانَه لا إله إلا هو. وأشهدُ أن سيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمَّدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه وحبيبُه، صلى اللهُ وسلَّمَ عَليهِ وعلى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَه.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القديِر القائل في محكِم كتابه:
” أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ”.
إخوةَ الإيمان والإسلام، ها هي فلسطينُ الصامدةُ الأبيّة أرضُ المعراجِ ومَهْدُ المسيحِ عيسى ابنِ مريمَ عليه السلام وأُمُّ بلادِ الشَّام، ها هي فلسطينُ العِزَّةِ والكَرامَةِ والشُّمُوخِ والتَارِيخِ والمجيد، ها هي فلسطينُ ما زالت تعلِّم الأجيالَ تِلْوَ الأجيالِ معاني الصَّبرِ والصُّمودِ والدِّفاعِ عن شَرَفِ الأُمَّةِ، فَلِأَهْلِنَا الحقُّ في البقاءِ في أرضِهم والعيشُ بكرامةِ والتَّصدي لما يُمارسُ ضدَّهُم مِنْ ظلٍم طيلةَ سنواتٍ وسنوات.
اليوم تنزِفُ فلسطينُ وتَتَحرَّكُ مشاعرُ المسلمين في كُلِّ الدُّنيا عَرَبٌ وَعَجَمٌ تأييدًا ونُصْرَةً لإخوانِنَا في فلسطين، فَلِمَاذا فلسطينُ والقدسُ بالتحديد، ومَا هي مكانَتُها الدِّيْنيَّةُ في قُلوبِهم ومَوْقِعُها القَوميُّ في نفوسِهم؟
فلسطينُ كانتْ ولا زالتْ وسَتبقى قضيةَ المسلمينَ، القضيَّةَ الأُمّ وقُدْسُها كانت قبلةً لهم، إنها مَسْرَى النبيِّ وَمُلْتَقَى جميعِ الأنبياءِ ومَوْطِنُ كثيرٍ مِنْهُم.
فالمسلمُ يَشْعُرُ بواجبِ التَّكْلِيْفِ والأَمانة تُجاهها لِلْحِفَاظِ عليها وعلى هَوِيَّتِهَا العربيةِ والإسلامية.
وَمِنَ الإشارةِ الدَّالَّةِ على ذلك أنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ نَبِيَّه أنْ يَتَوَجَّهَ في صلاتِه بعدَ وُصولِه إلى المدينةِ جهةَ بيتِ المقدس، فصلَّى رسولُ اللهِ سبعةَ عشرَ شهرًا إلى بيتِ المقدس التي باركَ اللهُ حولها، ولتَتَبَوَّأ أرضُ بيتِ المقدس المكانَةَ العَقْدِيَّةَ في نفوسِ المسلمين.
فبيتُ المقدِس بَناهُ الأنبياء، ويكادُ لا يخلو فيه موضعٌ إلا وقدْ سجدَ فيه نبيٌّ من أنبياء الله.
فموسى عليه السلامُ الذي قالَ رَبِّ أَدْنِنِي مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَر، وفيها تابُ اللهُ على داودَ عليه السلام، وأعطى اللهُ الْمُلكَ لِسُلَيمان عليه السلام، وسَخَّرَ اللهُ لِدَاودَ عليه السلامُ الجبالَ والطَّيْرَ يُسَبِّحْنَ مَعَهُ في بيتِ المقدس، وبَشَّر اللهُ سيدَنا زكريا بيحيى عليهما السلامُ في أرض بيتِ المقدس، وإبراهيمُ وإسحاقُ عليهما السلامُ اختارا أنْ يُدْفَنَا بأرضِ بيتِ المقدس، حتى يوسفُ عليه السلامُ الذي ماتَ في أرضِ مِصْرَ كانَ أَوْصَى أنْ يُنْقَلَ جُثمانُه إلى أرضِ أجدادِه في مدينة الخليل، وَوُلِدَ المسيحُ عليه السلامُ وتكلمَ في المهدِ في بيتِ المقدس، وأنزلَ اللهُ عليهِ المائدةَ في بيتِ المقدسِ، ودُفِنَتِ السَّيدةُ مريمُ عليها السلام في بيتِ المقدس.
فنحنُ أُمَّةٌ تَنْتَصِرُ بطاعتِها للهِ واتِّباعِها لِرَسُولها، وتَنْكَسِرُ بِعِصْيَانها لله وبُعْدِهَا عَن شَرْعِهِ وهُدَاه، ولعلَّ ‏في هذا اختصارًا لأسبابِ السُّقوط.‏
وإذا نَظَرَ الإنسانُ في قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:” يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ أوَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ“.
‏وإذا أرادَ الإنسانُ أن يَختصرَ أسبابَ النصرِ فإنه يستطيعُ أن يَقول: إنَّ اللهَ أعزَّنا بالإسلامِ فمَتى ابتغَيْنَا ‏العِزَّةَ في غَيْرِهِ أَذَلَّنَا الله.
فقُوَّتُنَا في اتِّحَادِنا، وضَعْفُنَا في تَفَرُّقِنَا، كمَا قالَ تعالى:” وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ“.
ولقد أمرَنا اللهُ تعالى بالاعتصام بدينِه القويم بقوله:” وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ”، وقال تعالى:” وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى“.
إخوةَ الإيمان، نحوُ قَرنٍ مَضى، ودُوَلُ العالمِ مِنْ أدناها إلى أقصاها تَشْهَدُ على النّكبات التي تَطالُ الأطفالَ والنساءَ والْمَدَنيِّينَ الأبرياءَ الآمنين، نحوُ قرنٍ مَضى والعالمُ يَشْهَدُ فيه أصنافًا وأصنافًا منَ القَهرِ والتَّدمير والاضطِهادِ التي وَصَلَ بَعْضُها إلى مُلامسةِ عَمَلِيَّاتِ إِبَادةٍ جماعيَّة، ويَشهدُ يوميًّا وعلى مَدارِ الساعة مُمَارساتٍ لشتَّى أنواعِ الظُّلم والطُّغيان…
كيفَ حُوِّلَ بَلَدٌ بِأَسْرِه إِلى سِجْن، سِجْنٍ لم يَسْلَمْ منه طِفْلٌ ولا امرأةٌ ولا عَجوزٌ ولا شابٌّ، سِجْنٍ لم يَسْلَمْ مِنْهُ أَحَد…
فيا أصحابَ العُقولِ ويا أصحابَ السَّمْع، مَن أراد حلَّ القضيَّةِ الفلسطينيةِ فلْيَعُدْ إلى السّبب، ولْيُعَالِجْه أوَّلًا، فلا استقرارَ بدونِ الحلِّ العادِلِ الذي يُعيدُ الحقَّ لأصحابه، ويَكْفَلُ لهمُ العيشَ بِكَرامةٍ وَحُرِّيَّة.
لذا فإنَّنا نُكرِّرُ الدعوةَ إلى المسارعةِ إلى أَخذِ الإجراءاتِ الإنسانية، وإدخالِ المساعداتِ، والإيقافِ الفَوريِّ لهذه الإبادةِ الجَماعيَّة، ومُطالبةِ المجتمعِ الدولي برفع الظُّلمِ المتمادِي على أهلِ فلسطينَ في غزةَ والضّفّةِ وكلِّ فلسطين، والضغطِ بشتَّى أنواعِ الضغطِ، والنَّظرِ بعينِ الإنصافِ وإعطاءِ الحقوقِ لأصحابها.
هذا وأستغفر الله لي ولكم.

#العرب_نيوز ” أخبار العرب كل العرب “