الشيخ محمود علوان الحسيني : ” خطبة جمعة ” أنواع الصبر
العرب نيوز ( سدني – استراليا ) خطبة جمعة للشيخ محمود علوان الحسيني – إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديْه ونَشكره، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ولا مثيلَ له، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ له، كانَ ولا مَكان، وهو الآنَ على ما عليه كان، تَنزّه ربي عنِ الأشباهِ والنَّظائر، سبحانَه لا إله إلا هو. وأشهدُ أن سيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمَّدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه وحبيبُه، صلى اللهُ وسلَّمَ عَليهِ وعلى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَه.
أما بعدُ عبادَ الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ العليِّ القديرِ، القائلِ في محكم كتابه: ﴿يا أيها الذينَ ءامنوا استعينوا بالصَّبرِ والصَّلاة إنَّ اللهَ مع الصَّابرين، ولا تقولوا لِمَن يُقتَل في سبيلِ الله أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لا تشعرون، ولَنَبلُوَنَّكُم بشىءٍ مِنَ الخوفِ والجوعِ ونقصٍ مِنَ الأموالِ والأنفُسِ والثمرات وبشّرِ الصَّابرين الذين إذا أصابَتهُم مصيبةٌ قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمة وأولئكَ هم المهتدون﴾.
إن اللهَ سبحانهُ أمرَ عبادَهُ المؤمنين بالاستعانةِ بالصَّبرِ، فبهِ تُنالُ كلُّ فضيلَةٍ، والصبر هو حبسُ النفسِ وقهرُها على لذيذٍ تُفارقُهُ أو مكروهٍ تتحمّلُهُ، والصبرُ ثلاثةُ أنواع: فالأولُ الصبرُ على أداءِ الفرائض، فمِن ذلك الصبرُ على صرفِ شىءٍ مِنَ الوقت لتلقي القدرِ الضرويِّ من علمِ الدين، والصبرُ على الجوع نهارَ رمضان، والصبرُ على أداءِ الصلواتِ في الحرِّ والبرد والصحةِ والمرض، والنوعُ الثاني الصبرُ عن ارتكابِ ما حرَّمَ الله علينا كالزنى وشُربِ الخمر، والنوعُ الثالثُ الصبرُ على المصائبِ والبلايا والشدائدِ، يقولُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم: ” وما أُعطِيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسَعَ مِنَ الصّبر” رواه البُخاريّ.
وأما قوله تعالى: ” إنَّ اللهَ معَ الصابرين” أي بالنَّصرِ والمعونَة.
” ولا تقولوا لِمَن يُقْتَلُ في سبيل الله أمواتٌ” نزلَت في شُهداءِ بدر وكانُوا أربعةَ عشرَ رَجُلًا، أي لا تقولوا هم أمواتٌ ” بل أحياءٌ” أي هم أحياء، ” ولكن لا تَشْعُرون” لأن حياةَ الشهيدِ لا تُعلمُ حِسًّا. فعن الحسنِ رضي الله عنه أن الشهداءَ أحياءٌ عندَ اللهِ تُعرضُ أرزاقُهم على أرواحِهم فيَصِلُ الرَّوحُ والفَرَحُ، كما تُعرَضُ النارُ على أرواحِ ءالِ فرعونَ غُدُوًّا وعَشِيًّا فَيَصِلُ إليهم الوَجعُ.
إخوة الإيمان، الشهادةُ فيها نفعٌ كبير، لأنَّ الشهيدَ لا يُعذَّبُ في قبرِهِ ولا في الآخرة، وشهداءُ المعركةِ أحياءٌ يُرزقون، أرواحُهُم تأكلُ وتَشرب في الجنة، مرّةً قبلَ سَبعِمِائةِ سنةٍ ماتَ جماعةٌ من المسلمين في المعركة، من جُملتِهِم عالِمٌ يُقـالُ له عبدُ الرحمٰنِ بنُ قاسم فجاءَ كافرٌ ووقف عندَه وقال: أنتم تقولون ” ولا تقولوا لِمن يُقتلُ في سبيلِ الله أمواتٌ” مُستهزأً بالقرءانِ، فقامَ عبدُ الرحمٰنِ وقرأ الآيةَ ثم عادَ إلى حالتِهِ، وصارَ يُلقَّبُ بالشهيدِ الناطق، وهذا دليلٌ على أنّ فيهِ روحًا، هذا دليلٌ على صِدْقِ القرءان. شهيدُ المعركةِ وإن ماتَ يبقى أثرُ الروحِ فيه، وشَبِيهٌ بهذهِ القِصَّةِ حصلَ لشخصٍ مغرِبِيّ يُقالُ له الجُزُولِيّ، الإفرنج قتلُوه ثم أحدُهُم استهزأ بالآية فقامَ الجُزُولِيُّ وقرأ الآية.
يقولُ الله تعالى: ” ولَنَبلُوَنَّكُم” أي ولَنُصِيبَنَّكُم بذلك إصابةً تُشبِهُ فعلَ الْمُختبِر لأحوالِكُم هل تَصبِرونَ على ما أنتم عليهِ من الطّاعةِ أم لا.
” بشىءٍ” أي بقليلٍ من كلِّ واحدةٍ من هذهِ البلايا وطَرَفٍ منه، وقَلَّلَ لِيُؤْذِنَ أن كلَّ بلاءٍ أصابَ الإنسانَ وإنْ جلَّ ففوقَهُ ما يَقِلُّ إليهِم، وليُرِيَهُم أن رحمتَه معهم في كلِّ حال، وأعلَمَهم بوقوعِ البلواءِ قبلَ وقوعِها ليُوطِّنوا نُفوسَهُم عليها.
” مِنَ الخَوف” أي خوفِ اللهِ أو العدوِّ، والجوعِ أي القَحطِ، أو صومِ شهرِ رمضان، ونقصٍ من الأموالِ بِموتِ المواشي، أو الزكاةِ، والأنفُسِ بالقتلِ والموت، أو بالمرضِ والشيبِ، والثمراتِ أي ثمراتِ الحرثِ، أو موتِ الأولادِ لأنَّ الولدَ ثَمرَةُ الفؤادِ.
” وبَشّرِ الصابرين” أي على هذه البلايا، أو الْمُستَرجِعينَ عند البلايا القائلينَ إنا للهِ وإنا إليه راجعون، لأن الاسترجاعَ تسليمٌ وإذعانٌ، وفي الحديثِ: ” مَنِ استرجعَ عندَ المصيبة جبرَ اللهُ مصيبتَهُ وأحسنَ عُقباه وجعلَ له خلفًا صالِحًا يرضاه” رواه ابن جرير والطبراني والبيهقي.
” الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ” أي مكروه، أي لَحِقَتهُم شِدّةٌ، قالوا: ” إنا لله” أي نحنُ مِلكٌ لله، ” وإنا إليه راجعون” إقرارٌ على نفوسنا بالهُلك أي نحنُ مُقرّونَ بالبعثِ والجزاءِ على أعمالِنا والثوابِ على صبرِنا، ” أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمة” والمعنى عليهم رأفةٌ بعد رأفة، ورحمةٌ بعد رحمة، قال سعيدُ بنُ جُبير: الصلوات من الله المغفرة. ” وأولئك هم المهتدون” لطريقِ الصوابِ حيثُ استرجَعوا وأذعنوا لأمرِ الله.
ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اجعلنا من عبادِكَ الصبورين الشكورين واجعلنا من أولياءك وأهل طاعتك واغفر لنا يا كريم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.