ميسون الدخيل :الاعتقاد المدمر لمستقبل العالم
العرب نيوز( روؤس – أقلام ) بقلم د. ميسون الدخيل –هنالك مقولة لرمز المحافظين، «باري جولدووتر»، حيث قال ذات مرة:
«تذكروا كلمتي، عندما يسيطر هؤلاء الدعاة على الحزب [الجمهوري]، وهم متأكدون من أنهم يحاولون القيام بذلك، فستكون مشكلة رهيبة. بصراحة، هؤلاء الناس يخيفونني. فالسياسة والحكم يتطلبان التسوية. لكن هؤلاء المسيحيين يعتقدون أنهم يتصرفون باسم الله، لذلك لا يمكنهم ولن يقبلوا التسوية. أعلم لأنني حاولت التعامل معهم». من كان يقصد؟ المسيحيين الإنجيليين.
هذا ما خطر على بالي وأنا أتابع أحد النواب «ريك ألين» في مجلس النواب الأمريكي، خلال جلسة استجواب بخصوص إجراءات معاداة السامية، لإحدى عضوات اللجنة التي كانت تمثل جامعة كولومبيا، التي كانت قد تعلمت الدرس مما حدث لزميلاتها ممكن كن يرأسن جامعات مرموقة وتم استجوابهم والتخلص منهن، سألها عما إذا كانت تعرف التنبيه الذي جاء في سفر التكوين الإصحاح 12: 3، لم تتذكر المقطع الكتابي مرتجلاً، فشرحه لها. وقال: «لقد كان العهد الذي قطعه الله مع إبراهيم، وكان هذا العهد واضحًا جدًا: إذا باركت إسرائيل أباركك، وإذا لعنت إسرائيل ألعنك»، موضحًا كيف تم تأكيد هذا الميثاق في العهد الجديد، ثم أكمل: «هل تعتبرين أن هذه مسألة خطرة؟ هل تريدين أن يلعن الله جامعة كولومبيا؟» أجابت: «أكيد لا»؛ المسكينة يجب أن تخضع وتستكين وإلّا! ثم تابع قائلًا: «يتم تلقين الشباب من قبل هؤلاء الأساتذة» يقصد المؤيدين لفلسطين «لتصديق هذه الأشياء، وليس لديهم أي فكرة عن أنهم سوف يُلعنون من قبل الله، إله الكتاب المقدس، وإله علمنا»! الواضح من المنطق الذي كان يستخدمه أنه ينتمي لهؤلاء الذي نبه عنهم «جولووتر»
إن دعم الإنجيليين لإسرائيل متجذر في عوامل لاهوتية وتاريخية وجيوسياسية، وفي ما يلي بعض التفسيرات لسبب أهميته بالنسبة لعديد منهم:
1- نبوة الكتاب المقدس:
يؤمن عديد من الإنجيليين بالتفسير الحرفي لبعض نبوات الكتاب المقدس، بخاصة تلك الموجودة في العهد القديم وسفر الرؤيا، وهم يرون، بحسب تفسيراتهم الحرفية للإنجيل بأن إنشاء دولة إسرائيل الحديثة والحفاظ عليها هو تحقيق لهذه النبوءات، مثل استعادة الشعب اليهودي إلى وطن أجداده والتحضير لأزمنة النهاية.
2- الارتباط اللاهوتي:
غالبًا ما يشعر الإنجيليون بارتباط لاهوتي بإسرائيل بناء على فهمهم للسرد الكتابي، إنهم يعتبرون الشعب اليهودي شعب الله المختار ويؤمنون بأهمية دعمهم ودعم إنشاء وحماية وطن لهم.
3- الاضطهاد التاريخي:
يرى بعض الإنجيليين أن دعم إسرائيل هو وسيلة للتكفير عن الاضطهاد المسيحي التاريخي لليهود، فهم ينظرون إلى المحرقة وغيرها من حالات معاداة السامية باعتبارها فظائع لا ينبغي أن تتكرر أبدًا، ويُنظر إلى دعم إسرائيل على أنه وسيلة للوقوف ضد المشاعر المعادية لليهود.
4 – التحالف الجيوسياسي:
غالبًا ما ينظر الإنجيليون إلى إسرائيل على أنها حليف ديمقراطي في منطقة بالنسبة إليهم تعتبر معادية للقيم والمصالح الغربية، ويرى عديد منهم أن إسرائيل منارة للديمقراطية والاستقرار في الشرق الأوسط ويدعمون حقها في الوجود والدفاع عن نفسها.
5- تحقيق الوعود الكتابية:
يؤمن الإنجيليون بأهمية الوقوف مع إسرائيل كوسيلة لتحقيق الوعود الكتابية بمباركة من يباركون إسرائيل ولعنة لاعنيه (تكوين 3:12).
6 – لاهوت نهاية الزمان:
يعتقد بعض الإنجيليين أن دعم إسرائيل هو عنصر حاسم في لاهوت نهاية الزمان، فهم يرون أن إسرائيل تلعب دورًا مركزيًا في الأحداث التي تسبق المجيء الثاني للمسيح، ويُنظر إلى دعم إسرائيل على أنه يتماشى مع خطة الله في نهاية الزمان.
وهكذا نرى كيف أن الدعم الإنجيلي للكيان المحتل متعدد الأوجه وغالبًا ما يتشابك بعمق مع المعتقدات اللاهوتية، ووجهات النظر التاريخية، والاعتبارات الجيوسياسية، لكن من المهم أن ندرك أنه ليس كل الإنجيليين لديهم وجهات النظرنفسها حول إسرائيل، وهناك تنوع داخل المجتمع الإنجيلي في ما يتعلق بأسباب ودرجة الدعم للكيان المحتل، وذلك من أجل الموضوعية ليس إلا، بمعنى تتفاوت درجة الدعم ولكن يبقى قائمًا لا جدال فيه.
إذًا ما هو الاعتقاد الخطير لهؤلاء؟ إنه الاعتقاد بأن هذا العالم يحتاج إلى الموت حتى تأتي الجنة بعد ذلك وتأخذ مكانه، يعتقدون أن هذا العالم سينتهي قريبًا، ولهذا ليست هناك حاجة للعناية به أو إصلاحه! والأسوأ من ذلك أنهم يريدون دفع العالم نحو الفناء حتى يتمكنوا من إطلاق ساعة الصفر! وبسبب إحساسهم المتضخم بأهميتهم الذاتية، يعتقد معظمهم أن يسوع (عليه السلام) سيعود في حياتهم. ومع عدم وجود فائدة لعالمنا، فإنهم لا يشعرون بأي مسؤولية تجاه رعايته، فهم على يقين من أن العالم القادم أفضل بكثير، ولذا لا يهتمون بحالة العالم عندما يسلمونه إلى أطفالهم؛ ليُهد العالم على ساكنيه، همجية، قتل، تعد، حروب، لا يهم، بل إن استطاعوا أن يسهموا بذلك يكون أفضل؛ إنهم يعملون بنشاط نحو ما يعتبرونه «نهاية الزمان»، كما يؤمنون أن المسيح (عليه السلام) سيعود.
ما الذي يمكن أن يكون أكثر خطورة على مستقبل العالم من مجموعة من الناس ممن يرغب في رؤية نهاية الحياة على الأرض كما نعرفها، ولن يرفعوا إصبعهم لمنع ذلك!