“أزمة الصحافة وواقع الصحافيين” في نقابة محرري الصحافة اللبناني
العرب نيوز ( الحازمية – بيروت ) نظمت نقابة محرري الصحافة اللبنانية في مناسبة ذكرى شهداء الصحافة اللبنانية، ظهر اليوم، في مقرها في الحازمية ندوة بعنوان: “أزمة الصحافة وواقع الصحافيين”،شارك فيها وزير الاعلام زياد مكاري ووزير الشباب والرياضة الدكتور جورج كلاس متحدثًا عن: دور كليات الاعلام في مواكبة تطوّر وسائل الاعلام ومستقبل الخريجين وأدار الندوة نائب نقيب المحررين صلاح تقي الدين. وحضرها حشد من الزملاء الإعلاميين تقدمهم المستشار الرئاسي مدير مكتب الإعلام في القصر الجمهوري رفيق شلالا.
استُهلت الندوة بالوقوف دقيقة صمت حدادًا على أرواح شهداء الصحافة وبالنشيد الوطني، ثم ألقى مدير الندوة تقي الدين كلمة جاء فيها: أرحب بكم في داركم، دار نقابة المحررين، التي تتسع لكم على ضيقها، للحديث عن التحديات التي تواجه الصحافة والصحافيين.
أزمة الصحافة اللبنانية وواقع الصحافيين، أصبح يشكل هاجساًَلدى مزاولي هذه المهنة وهي أزمة تتصل بالتطور الكبير والخطير الذي طرأ منذ بروز التحولات الكبرى في هذا القطاع حين بات للتلفزيون قدرة على التسلل إلى المنازل وأصبحت الاذعات رفيقاً دائماً في السيارة والمنزل. لكن الاعلام المرئي والمسموع أصبح في مواجهة واقع جديد مع الحضارة الرقمية، وغزو المواقع الالكترونية للفضاء الاعلامي.
في الواقع، فإن الصحافة كدور ومهنة لم تتبدل، إنما وسائل الإعلام هي التي تغيرت، وبطبيعة الحال، فإن الصحافة الورقية كانت الشهيدة الأولى لهذا التطور وفي كل فترة نشهد إغلاق صحيفة، أو على الاقل تناقصا في قدراتها وامكاناتها وتوفير المحتوى النوعي، والعيش اللائق للعاملين فيها.
انطلاقاً من هنا، ارتأينا تنظيم هذه الندوة لكي نحاول قراءة الواقع، لا بل قراءة الأزمة التي يعاني منها قطاعنا، وأن نحاول مع السادة المنتدين وضع تصور لكيفية إعادة الألق إلى مهنة الصحافة، وكيفية معالجة وضع الصحافيين أو على الأقل وضع إطار يحفظ لهم حقوقهم ومستقبلهم.
ومن أولى بالحديث عن هذه التحديات والإضاءة على هذه الهموم من وزير الاعلام المهندس زياد مكاري، الوافد من اختصاص لا صلة له بالصحافة، لكنه استوعب اللعبة، واندمج في العالم الجديد الذي ولجه، وأصبح من المطلين البارزين على آفاقه وازقته، ووزير الشباب والرياضة الدكتور جورج كلاس عميد كلية الاعلام والتوثيق سابقا، ومدير فرعها الثاني، واستاذا محاضرا فيها، وقد تخرج على يديه المئات الذين يحتل معظمهم مواقع صحافية واعلامية متقدمة في لبنان والخارج، ونقيب المحررين الاستاذ حوزف القصيفي، الصحافي العتيق والمرموق، والنقابي الذي تشهد له نقابتنا سعيه الدائم في الوقوف من دون كلل أو ملل إلى جانب الزملاء الصحافيين ومحاولة الحفاظ على حقوقهم وصيانة مستقبلهم.
كنا نتمنى مشاركة الوزير السابق الاستاذ غازي العريضي في هذه الندوة، لكنه اعتذر لأسباب طارئة.
مكاري
ثم ألقى الوزير مكاري كلمة جاء فيها:
أزمة الصحافة وواقع الصحافيين، عنوانٌ واسعٌ وفضفاضٌ يصعُبُ علينا أن نَفيَهُ حقَّه في جلسةٍ أو كلمةٍ أو نَدوة. فالأزمةُ عميقةٌ وحادّةٌ ووجوديّة، وهذا ليس خافيًا على أحد، أقلَّهُ في السنوات الأخيرة حيث لا تموتُ أزمةٌ إلا بولادة أختِها. أما واقعُ الصِحافيين فهو انعكاسٌ لأزمةِ مهنتِهم في بلدٍ مأزومٍ أصلًا على كلّ الصُعُد وبكل المقاييس. فكيفَ إذا كانت الصِحافةُ أساسًا تأريخًا للّحظة وبحثًا عن المتاعب، وما أكثرَها؟
أزمةُ الصِحافة ماليّةٌ أوّلًا، في مهنةٍ تراجعت فيها سوق الإعلانات حتى الشحّ، وتقلّص فيها مبيع الصحف والمجلّات بعد الانفلاش الرقمي والإلكتروني.
والأزمةُ مهْنيّةٌ ثانيًا، نلمسُها يوميّا، من حيثُ مقاربةُ أكثرَ من ملفّ، وصولًا إلى المعالجة واستنتاج الخُلاصات، حيثُ نرى بعضَ الصِحافة- ولا نعمّم هنا- تَجنَح إلى التسرّع والخفّة حتّى الارتجال، في التّعاملِ مع الكثيرِ من مواضيع الساعة، طلبًا للrating ربما، أو طمعًا بالسبق الصحافي، أو ادّعاءً لكشف ما لم يكشفْهُ أحد بعد، وكلّ ذلك على حساب الصّدقيّة والموضوعيّة والأصول المهْنية.
ولكنْ قبل الاسترسال في الحديث عن أيّ أزمة، لا بدّ من التوقّف عند العنوان العريض الذي طبعَ صحافة لبنان وصبَغ كل حرف على مرّ السنين، منذ القِدَم: الحقيقة حتى الشهادة. نعم، إنها الحقيقة التي دفع صحافيو لبنان ثمنَها دماء منذ مئة سنة ويزيد، حتى يومنا هذا. استُشهدوا على أعواد المشانق أيام العثمانيين، وتوالت الشهادة مرورا بنسيب المتني وكامل مروّة، لتمتدّ لاحقا الى سمير قصير وجبران تويني، وصولا الى فرح عمر وعصام عبدالله بالامس القريب.
وزارة الاعلام لم تقصّر في مناصرة الصحافيين ومتابعة حقوقهم والانتصار لهم، ولن توفّر جهدا في سبيل الذَّوْد عن مهنتهم النبيلة، سواءٌ بمواكبة التشريعات الضامنة لحقوقهم وشؤونهم، أو بمتابعة حثيثة لكل ما من شأنه مساعدتُهم على تخطّي أوضاع صعبة قد تفرضها ظروف مالية أو سياسية أو إدارية.
إذا كانتِ الصِحافةُ في أزمة وجوديّة لأسباب عدّدنا بعضَها، فعلى الصِحافيين أن يحصّنوا أنفسَهم ويحسّنوا أداءهم من أجل البقاء والصمود ومغالبةِ الأزمة، ووزارة الاعلام ستكون خيرَ نصير لهم وخيرَ داعم.
في ذكرى شهداء الصِحافة اللبنانية، دَعونا نتأملُ في الصورة المُشرقة والبهيّة تاريخيًا لصِحافتنا وصحافيينا، فنستمدّ منها المثلَ والمثال، من حيثُ الاداءُ المهْنيّ والأخلاقيّاتُ الإعلامية والثقافةُ الواسعة والفكرُ الحرُّ النيّرُ. وإذا كان بعضُ أهلِ الصِحافة الجدد يميلُ أحيانا إلى تسرُّعٍ أو يجنحُ إلى خفّة، فنحن هنا لنقولَ له تمهّلْ، وراءك تاريخ ناصعٌ خطَّهُ صحافيون أوائل، يجدرُ بنا أن نبنيَ عليه ونُعليَ البُنيان.
المشكلة ليست في المهنة اطلاقًا، ولم تكن كذلك يومًا. قد تكون في بعض التشريعات، ونحن نسعى ليلًا ونهارًا إلى تحديثها، وقد تكون في بعض الممارسات الخاطئة والمتهوّرة، ونسعى إلى تصحيحها، وقد تكون في الأوضاع المالية العامة، وهذا ما لن يدوم إلى الأبد.
وقال: ولا بد لي ونحن في نقابة محرري الصحافة اللبنانية الأعلان عن أننا نعمل على قانون إعلام جديد ووضعنا ملاحظات وزارة الإعلام عليه بالتنسيق مع خبير من اليونسكو، لأن يكون لدينا قانون إعلام عصري وقريب من المعايير الدولية. في لبنان إنقسامات سياسية حول السيادة. لا يجوز كصحافة لبنانية وإعلام لبناني الا يكون لدينا قانون إعلامي يُنقذا من الفوضى التي نعيش فيها ، وأنا كوزير للإعلام أشعر بهذه الفوضى والمشاكل. ولكن الحرية في لبنان مصانة على الرغم من أن هناك من يقول أنها ليست مصانة. وهذه الفوضى بسبب الوضع المأزوم في لبنان. وممنوع علينا كلبنانيين أن يسبقنا العالم في عصر التواصل الإجتماعي. ومنذ اليوم الأول لتعييني وزيرًا قلت أن أي تطور بحاجة إلى عمل مشترك من الجميع، كانوا أصدقاء أو أخصام لي في السياسية، لأنني أرى أننا كلنا في مركب واحد، ويجب أن نكون كذلك لنصل الى برّ الأمان.
كلاس
وألقى الوزير كلاس كلمة جاء فيها:
… وجدانياً والتزاماً بشرف القضية، تحيةﹲ إلى كل إعلامية وإعلامي إستشهدوا، ليشهدوا ويحوِّلوا المجهولات إلى معلومات..!
… أَرْفَعُ المقامات عِزّاً، أن تنتدَي مع ماسكِ القلم والضابطِ الحلْق، وتتشرّفَ بالتشارك مع وزير صديق عتيق أحفَظ فضل ثقته بالقلب .
… إتقانُ البلاغةِ صياغةً تُكتَبُ وتجذِبُ، ولفظياتٍ تُسْمعُ وتُفهَمُ، هو شغفُ المُستجْرئين على الإستعلام للإعلام والإفهامِ، لا للإستعراضِ وإطلاق الأحكام. الوزير غازي العريضي رائدُ الجهر في الكلام السياسي والمواقف الوطنية الملتزمة، وسيِّدُ منبرٍ ومؤلفٍ أديب … وسِرُّ المهنةِ المايزُ لنجاحاتِه في السياسة والوطنيات والإعلام، أنه يُقرأُ بالأذُنِ إنصاتاً، ويُتذَوَّقُ قراءةً … وهذه ملَكةٌ ينمازُ بها المُعطى لهم، والحريصون على تثمير الوزنات وإنمائها ..!
… والتجربةُ الاختباريةُ التي خاضها معالي المهندس زياد مكاري ونجح بمهمتها، كأمر يومٍ وطني، متولياً وزارةَ الإعلام، بثقةٍ موصوفة وجَهْدٍ مُقدَّر وحضورٍ مُعتبَر، تؤكد أن الإعلامَ، إقدامٌ وثقةٌ بالنفس وشغفٌ وممارسةﹲ ومسؤولياتُ، وليسَ اختصاصاً صَلْباً ولا منهجيات أكاديمية دقيقة، بقدر ما هو فنٌ يُتَقوّى بالممارسة، وتِقنياتٌ تعبيريةﹲ تُتَّبع، وحضورٌ يُحصَّن .. !
… شخصياً وُلِّيتُ مسؤوليات أكاديمية في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، ولستُ مُجازاً بالإعلام. مكنني من ذلك أني كنت تدرجت في جريدة النهار، في الصحافة الثقافية، ومكَّنتُ نفسي بالتعلم والتدرّب، في الأدب والألسنية والحقوق ما يعني أن الإجازة بالإعلام ليست لازمة، لا لتكون إعلامياً ولا لتكون عميداً. هي إضمامةُ تقنياتٍ ومعارفَ لازمة للبدايات، فالجامعاتِ لا تُخرِّجُ صحافيين أو إعلاميين، بل مجازين يحق لهم التدرُّج المهني والتحصُّل العلمي والتزوُّد بالخبرات، ليستووا مؤهَّلين للإنتساب إلى مؤسسات تستثمر مؤهّلاتِهم وتنمي طاقاتِهم، ونقابةٍ تحمي حقوقهم، وتأذِنُ لهم بمزاولة المهنة، كأيّ إختصاص محميٍّ بالقانون والأكاديميا، تماماً ككليات الحقوق التي تخرِّجُ مجازين، يُجاز لهم التدرُّجُ، لا محامين!..
… الكثرة الكاثرة من بيارقِ الصحافة وقاماتِ الإعلام، ومالكي الصحف ومسؤولي الوسائل ومديريها، ليسوا من {الاختصاصيين} بالإعلام، وإنْ كانوا متحمسين له إستثماراً اقتصادياً وسياسياً، أو أنهم {متخصَّصون} به، شغفاً وتثقفاً ومتابعةً وتعلُماً على أنفسهم .الاختصاص هو التحصيل الجامعي، والتخصص هو التّعلم والتّدرب وإنماء القدرات.
… فالإعلامُ كإختصاص قد يكون لازماً، لكنه لا يكفي حاملَه عن التزود بإختصاصات أخرى ترفده بمعارف أشمل وثقافة أعمق، ما يمَكّنه من الإضطلاع بمسؤوليةِ تَرصُّدِ الوقائع، وتقصّي الحقائق، وموازنة الأمور بعقلانية واقعية، لا يُنتجها إلاَّ الاختصاصيونَ المتابعون، الحريصون على رصيدهم وسمعتهم ومكانة المؤسسة التي يعملون فيها ولها.
… في كل مرة يُطرحُ الإعلام، بأنواعه وفنونه، كفعل ودور وتأثير، وما إذا لا يزال (سلطةً ذاتَ سيادة) على منصات التقويم، يحضرني {سؤال السمعة والحرية}؟ ومنْ يهتمُ بحماية دور هذه السلطة، وإبعادها عن الفساد والإفساد، ويمنعُها من الخروج عن ممارسة مسؤولياتها وأخلاقياتها؟ وهلْ من مصلحة عامة فعلاً أن تكونَ الصحافة {سلطةً كيانيّة}؟ وهلْ مَنْ يهابُ {كيانيةَ الحريّة} ويخافُ منها على مكتسباتِه من الفوضى، في ظلّ إستقالةِ المثقف من دوره في النقد والتقويم والإعتراض؟ وهل فعلاً تمارسُ وسائلُ الإعلام (الديمقراطية وتوفرها، في صناعة الخبر، وإنتاج الرأي الخاص الذي يملك الرأي العام، بالإرث أو يستملكه بالقوة، أو يستأيده بالإقناع؟)
… ينسلُّ من عنوان مداخلتي سؤال، تكوَّنَ لدي همّاً، هو: هل الحصولُ على إجازةٍ جامعيةٍ في الصحافة، هو ضرورة وشرط لازم لممارسة المهن الإعلامية والتألُق فيها؟ وهل هذه الإجازةُ وحدَها تُطعِمُ خبزاً وتُحصِّنُ حاملها، وتُغنيهِ عن الحصول على إجازة ثانية، ليتمكن من إيجاد فرصة عمل إحتياط؟
… واقعُ الوضع، أن أكثرَ الذين كانوا يتقدمون لمباريات الدخول إلى الكلية، كانوا منجذبين إلى سحر الصورة والرغبة بالشهرة، وإعتقاداً أن هذا (الاختصاص) يُدخلهم أسرعَ إلى جنات السلطة الافتراضية، في مجتمع كثرُ فيه الصحافيون من هواة ومغامرين، وندرت فيه الصحافة تفكيكاً تحليلاً ومشورةً، وإحترام قلمٍ وضَبْط كاميرا ومسكَ لسان. وهذا ما يستدعي التركيز على التوجيه في المرحلة الماقبل جامعية.
قد ينجح أيُّ شخص أن يكونَ صحافياً، ولَوْ من دون إختصاص دقيق بالإعلام. لكن الصعبَ على أي قلم، متخصص أو إختصاصي، أن يُنتِجَ حقيقةً ويحصّنها ويقدّمها نفعاً عاماً، خارجَ الحرية وحُسنِ السمعة، الموصَّفة بالجودة..!
رأس الكلام في أزمات الإعلام في مجتمع لحظيِّ التحوُّلات ودائم المتغيرات، على مستوى وجوبية الإستعلام للإعلام، وصناعة إعلامٍ أبيضَ متماسكِ العناصر، هدفُه القيمُ اللصيقةُ بمفهومِ الصحافة التفكيرية والإبلاغية هو، {سؤال الحرية} متبوعاً بتساؤلات :
مَنْ يهتم اليوم بالإعلام، إستفهاماً وفهماً واستخباراً وثقافةً معرفية؟ ومَنْ يستثمرُ في اقتصاديات الإعلام؟
وهل ما زال الإعلام مصدراً موثوقاً للمعرفة والإستخبار والمعلومات والتحليلات النظيفة، البعيدة عن إرهاصات إدعاءات الخبراء الاستراتيجيين، الذين زادت تطفلاتُ وأخطاءُ بعضهم من التشويه والإبهام والتضييع، بل والتسببِ بأخطارٍ وخيبات، لمَنْ قرأ وأصغى وصدق من دون تدقيق وتنخّل مسموعات؟
… ثم، فلنتصارح ونتجارئ ونسأل: هل في لبنان مرجعية إعلامية؟ وتجوُّزاً أقول: هل للإعلام اللبناني عقيدة؟ وأيُّ جَمْعٍ حولها؟ وهَلْ من لزومٍ للمرجعية والعقيدة، في بلد دائم القلق والتشظي، ويعاني من تكاثر {حريات الفوضى}؟
}بيان الخوف{
وإذْ أجرؤ على إعلان {بيان الخوف}، على نفعية الإختصاص الأكاديمي ونوعيته في مجتمع كثير التحديات، مع طفرة كليات ومعاهد الإعلام والتنظيمات النقابية، وشيوع تصدير الدبلومات وتنظيم مهرجانات التكريم والنجومية، أطرحُ من عين الحرص :
هل الاختصاص الإجازي بالإعلام هو محمي نقابياً؟ جوابي (كلا) لأن طبيعة العمل لا تستوجب اختصاصاً حصرياً، بل خبرةً ومتابعةً وتعلّمًا وتثقفًا دائمين! فالإجازة بالإعلام من دون التضلّع من علوم وثقافات ولغات، لا تكفي وحدها لتكوين إعلامي يُرجَعُ إليه .!ولا حتى يُقرأ أو يُسْمَع!
وأي دورٍ استشاري، وتدخلِ خبرةٍ واجبٍ لنقابَتَيْ الصِحافة والمُحرّرين في تقويم برامج المعاهد والكليات؟ وهل النقابتان على رضى على مضمون المقررات والمناهج المدرجة في برامج التدريس والتدريب؟
… الثقافة اللازمة للإعلامي، هي من ركائز التزوُّدِ الدائم. والإعلامي الموثوق عندنا هو لكثيرين (مرجعية) إستعلامية. والمرجعية متى رُجِعَ إليها، عليها أن تجيبَ وتخبرَ وَتْفصُلُ، على قدر ما تعرف، وما يجب أن تعرف، وتقْدِرُ أن تعين به الآخرين .
(فعلم الدستور) يمكّنه من فهم فلسفة السلطات، ومن مواكبة الأزمات كما واقعُنا اليوم؛ وأن يفهم ولا يخطئ مهنياً فالخطأُ الإعلامي قاتل لكاتبه وللغير.
و(علم الحقوق) يعرّفه حدوده في التعبير والتناول، ومسؤوليةُ تولّي الادعاء العام باسمِ الناس، وألاّ يطلِقَ الأحكامَ بنفسه على أمر ما. فليقَدّمِ الاتهاماتِ كمدّعٍ عام، وليتْركِ للناسِ أن يلفظوا هم الأحكام بحسب ما يرونه، بعد تكوين مضبطة الاتهام وتقديم اللائحة بالشكل .
و(للدبلوماسية) مكانتُها في علوم الإعلام والتواصل، إذ أن دبلوماسيةَ التعبير، هي استراتيجيةﹲ متخصصة، تُحِلُّ الإعلامي مرتبةَ صانعِ الهِدْناتِ ومُطفِئَ الأزماتِ ومُساهماً في حَلِّ النزاعات، من دون التنازل عن دور الحَكَم عندما يحتكم إليه المتنازعون، ولا عن الواعزِ الضميري، متى استدعاه واجبُ قولِ الحقيقةِ والدفاعِ عنها .
كذلك (لعلم الإجتماع السياسي) و(التاريخ) و(الاقتصاد) وللتمرس على تقنيات التعبير وصناعة الكتابة، دورٌ مركزي في تكوين الإعلامي وتعزيز حضوره اللغوي، الذي هو مَنْطِقُه وفكرُه ونهْجه، وحاملﹲ بصماتِه الخطية والنَبريَّةِ، جذباً وأسراً وحَثّاً على المتابعة.
… وغالباً ما تُعرف بعضُ الوسائل بإعلامييها، لا بمالكيها ولا بصُنَّاع سياساتها. فالإعلامي هو العنوان وصانعه.
… والثقافة اللغوية التعددية اللازمة لنجاح الإعلامي وانفتاحه على ثقافات وحضارات أخرى، تمنحُه فُرَصَ أن يكون مُتابعاً وذا ذُخرٍ معرفي يمكنه من إنجازات مهنية، ويزيدُ من رصيدِه الاحترافي، فيخدُم مؤسسته ومتابعيه، ويرفع من مستوى المهنة .
وللإعلام الراقي، كشريكٍ في صناعة المسؤولية الوطنية والمجتمعية، دورﹲ رئيس في تحصين الدورِ المهني للإعلامي وحماية رسوليته وإحترافيته وتحريرها من كل ما يُعَكِّرُ صَفاءِ أجواءِ الحريةِ التي ينمازُ بها لبنان، وتتكامل لتشكِّلَ مجتمعاً إعلامياً مُتَراصّاً يكون بحقٍّ سلطةَ وازِنةً وحكيمةً هي (السلطة الإعلامية) بمعنى أنها مسؤولية خالصة.
وحمايةً لمفهوم الصحافة والإعلام، وتحصيناً لدورِ العاملين في المؤسسات النظامية، وتأكيدًا لقيمة (الحصانة المهنية) التي يجب أن يتحصّن بها الصحافيون والإعلاميون النظاميون، وحفاظاً على (الكيانية النقابية والمهنية للإعلامي)، فإنني أدعو إلى التمييز قانوناً ولَفْظاً ومعنىً، بين تسميات {الصحافي، والإعلامي}، والتفريق بينهما وبين {المُدَوِّن، والمُغَرِّد، وكُتّاب المواقع، وروّاد وسائل التواصل الاجتماعي} والفصل بين التوصيفات التي تحكم عملهم، مع إحترام كامل لحرية ورأي كل شخص. إنَّ تحصين دور الإعلامي في مجتمعٍ إنمَزَج فيه الحقّ بالحرية بديمقراطية الفوضى، يكون بالتركيز على أن (حريّة التعبير)، تَرتبطُ بنُيَوِياً بتوفير (حرية التفكير) من دون إسقاطاتٍ وتوزيع ألقابٍ وصفاتٍ، لتوفير حمايات والإغراق بحصاناتٍ إفتراضية. والحريِّتان تتلازمان وتنسلَّانِ جَذْريَّا من {الحرية} التي توفرها المؤسسة للإعلامي.
… سؤالٌ مهني أكاديمي واقعي: ماذا يعني أن يتم ترخيص معاهد للإعلام في المؤسسات المرخصة، ولا أقول {الجامعات العريقة}؟ هل من دراسة حاجة؟ أيُّ فرص عمل واقعية في مجالات الإعلام وتوابعه من علاقات عامة وإدارة المعلومات والتوثيق والإعلان؟
بالنسبة للإعلام الاختصاصي، كالإعلام الطبي أو الاقتصادي مثلاً، أيهما أنفعُ للمؤسسة وللجمهور؟ أن يختبر خريجُ إعلام بالناس ويتحصل له تخصص بالتجربة والخبرة أو أن يتدرّب خريجُ اقتصادٍ على تقنيات الكتابة الإعلامية، تغطية وتحليلاً وتقديم معلومات؟ هذا ما تتنبعه الجامعات بعضها الأجنبية، بأن تضيف ماستر تخصص إلى أي إجازة.
… ما أراه واجباً لترتيب علاقة نقابة المحررين، كحامية لكرامة المهنة وللإعلاميين، مع المؤسسات الإعلامية ومعاهد الإعلام، هو تنظيم التواصل الاستشاري مع المؤسسات والأكاديميات ومراكز البحوث المتخصصة بدراسة إسترايجيات التواصل، لدراسة مستقبل العلاقة بين مثلث: النقابة والمؤسسات والجامعات العريقة ذات السمعة، مع لحظ التداخل الجيد والمفيد.
القصيفي
وفي ختام الندوة أجرى النقيب جوزف القصيفي مداخلة جاء فيها:
أزمة الصحافة اللبنانية وواقع الصحافيين، موضوع يطرح نفسه بقوة في المجتمع الاعلامي. وهي أزمة تتصل بالتطور الكبير والخطير الذي طرأ على المهنة مع بروز التحولات الكبرى في هذا القطاع منذ أن بدأت المحطات التلفزيونية والاذاعية تشق طريقها بثبات، محدثة تغييرا نوعيا في المشهد بعدما حول البث الفضائي العالم إلى قرية كونية مقربا المسافات، حيث بات للتلفزيون قدرة على التسلل إلى المنازل والمخادع قبل أن يدخل إليها من الباب العريض. لكن الاعلام المرئي والمسموع أصبح في مواجهة واقع جديد مع الحضارة الرقمية،وغزو المواقع الالكترونية الفضاء الاعلامي.على أن هذه الوسائل تقف اليوم على مشارف تحد صارخ يتمثل بوسائط التواصل الاجتماعي التي حاصرت مهنة الصحافة، بعدما أصبح المواطن بحكم هذا التطور الهائل صحافيا، ولو انه يحترف مهنة اخرى، ويمتلك اختصاصا مغايرا. إنه واقع جديد، مخيف، لأن استخدام هذه الوسائط في إشاعة اخبار غير حقيقية، وبث معلومات كاذبة، وعدم التدقيق في ما يصلها من مواد، يؤدي إلى دمار المجتمع، وضرب القيم، وانتهاك الخصوصيات، لاسيما وأن محاولات ضبطه في قواعد قانونية، تعتمد معايير سلوكية واخلاقية ، باءت حتى الساعة بالفشل، على الرغم من المحاولات الجادة التي تبذلها الدول والهيئات الاممية لبلورة هذه القواعد وتثبيتها. وفي الواقع ،فإن الصحافة كدور، ومهنة لم تتبدل، إنما وسائل الإعلام هي التي تغيرت،بعدما تنوعت ،وغدت تفرض ايقاعا جديدا على المهنة والعاملين فيها. وبطبيعة الحال، فإن الصحافة الورقية كانت الشهيدة الأولى لهذا التطور، ونراها في تراجع كبير، وضمور يقارب الاضمحلال. والصحافة في لبنان بمعناها التقليدي الذي الفناه تحتضر، وفي كل فترة نشهد إغلاق صحيفة، أو على الاقل تناقصا في قدراتها وامكاناتها وقابليتها للحياة ،وعجزا عن توفير المحتوى النوعي، والعيش اللائق للعاملين فيها.وإن الصحافة الورقية في لبنان، كما في كل أنحاء العالم، هي حافظة لتراث الأمة وذاكرتها وسجل وقوعاتها، ومنبر لافكار المبدعين في كل المجالات. إن الصحافة هي التي كتبت المسودة الأولى للتاريخ، وتؤرخ اللحظة وتوثقها. ومن هنا تبرز مسؤولية الدولة في مساعدتها على جبه التحديات التي ترزح تحت ثقلها، وأن تؤمن اسباب استمرارها. وهذا ما تفعله دول عدة في العالم إحتراما لتاريخها ودورها. وعلى المعنيين بقطاع الصحافة والاعلام العمل مع الدولة لإيجاد آليات تنقذ هذا القطاع، وصوغ استراتيجيات تجعل منه قطاعا منتجا وربطه بالدورة الاقتصادية. خصوصا بعدما تهاوى القطاع الاعلاني، وتوقف الدعم المالي الخارجي الذي كان يرفده بمقومات البقاء. وهناك تجارب رائدة في الولايات المتحدة، فرنسا وبريطانيا يمكن الإفادة منها، ومن بينها انشاء روابط دعم تمول الصحف والمجلات من جمهورها من دون التدخل في خطها التحريري ومنهج عملها.
لا شك أن الذكاء الاصطناعي وجه ضربة موجعة إلى الصحافة وسائر وسائل ألاعلام، ولكن يبقى للانسان دور محوري في استنقاذ المهنة، وفتح آفاق جديدة أمامها لكي تستمر. وسبق لنقابة محرري الصحافة اللبنانية التي استشعرت منذ العام 2010 الخطر الداهم الذي ينتظر الصحافة، أن قدمت حزمة من الاقتراحات لتخفيف الاعباء والمصروفات عن المؤسسات الصحافية والاعلامية بنسبة 45 في المائة، وهي تتعلق باعفاء الورق والحبر، وآلات الطباعة وقطع الغيار من الرسوم الجمركية. كما اعفاؤها من رسوم الشحن والنقل والهاتف والماء والكهرباء، والضمان والضرائب المختلفة، واستحداث طابع أميري باسم الصحافة تجبى عائداته لصالح المؤسسات الصحافية والاعلامية والصحافيين وتودع في صندوق مشترك، على أن تحدد آليات صرف المبالغ وفق نظام خاص بالصندوق. إن واقع الصحافيين اليوم في ظل توقف العديد من المؤسسات الكبرى، والمقتدرة، هو واقع مغرق في بؤسه في ظل الرواتب الهزيلة نسبيا التي يتقاضونها، وانحسار الضمانات والقديمات الاجتماعية والصحية إلى الحدود الدنيا، وعدم وجود عقد عمل جماعي بين أصحاب المؤسسات والعاملين فيها، ما يضطر هؤلاء إلى ممارسة مهن أخرى إلى جانب مهنتهم الأساسية. والأهم من ذلك أن الضغط والاغراء يحاصران هؤلاء ويمنعاهم من القيام بمهماتهم وممارسة قناعاتهم دون عوائق. وعلى مشروع قانون الاعلام الجديد الذي يجري بحثه في لجنة الإدارة والعدل وتشارك نقابة محرري الصحافة اللبنانية في الاجتماعات الخاصة به، ألا ينحصر هدفه ببت الجانب التقني منه كاطلاق التراخيص ومنحها، وتحصين الحرية الصحافية والاعلامية، وإلغاء محكمة المطبوعات، وإنشاء مرجعية جديدة للاعلام، ووضع مدونة سلوك، وإلغاء عقوبة الحبس كليا -على أهمية هذه الأمور- بل يتعين عليه ان يفتح الباب أمام مقاربة نوعية مختلفة، باعتماد توصيف مهني يحمي العاملين في المهنة، ويعدل في مناهج كليات الاعلام لجهة تنويع الاختصاصات، وينقل القطاع من حالة العالة والتسول إلى حالة إنتاجية تكون جزءا من دورة الاقتصاد الوطني. كذلك ينبغي أن يشهد الاعلام الرسمي تغييرا جذريا ليصبح اعلاما عموميا لا تعوزه النوعية ، من خلال تحديث وتطوير الوكالة الوطنية، وتلفزيون لبنان، واذاعة لبنان، ومديرية الدراسات، فتتحول إلى مؤسسات تبيع خدماتها، وتحقق الربح، بما يتيح لها استيعاب أعداد من خريجي كليات الإعلام وتوفير فرص عمل جديدة. إن أزمة الصحافة وواقع الصحافيين هو العنوان المشترك بين اهل القطاع في أنحاء العالم، وأن العقل الانساني الذي أوجد وسائل الإعلام بدءا من الصحافة الورقية، وطورها وحدثها، واوجد الذكاء الاصطناعي، لن يكون عاجزا عن ابتكار حلول لتجاوز هذين الازمة والواقع، واستنقاذ المهنة، وابتكار فضاءات جديدة لها.
حوار
ثم جرت مداخلات بين الحضور والمنتدين وردّ الوزير مكاري على سؤال حول تطبيق تيك توك وقال: لقد فصلنا في قانون الإعلام الجديد وسائل التواصل عن الإعلام، كي لا يكون كل لبنان إعلامًا. ونحن نتابع ما أشار إليه نقيب المحررين حول تنظيم المهنة والقانون الجديد للإعلام، وفي ظل وسائل تواصل اجتماعي تدخل الى كل منزل وتخرّب الكثير من العائلات، كما رأينا أخيرًا في موضوع ال”تيك توك” والذي نتجت عنه جرائم كبيرة في لبنان. وقد قمنا باتصالات ب”تيك توك” ميدل إيست وستصدر الوزارة بيانًا حول هذا الموضوع. وسيأتي إلى لبنان فريق متختصص من دبي لمتابعة الموضوع. وقمنا بتدريبات لإعلاميين وطلاب حول هذا الموضوع، وسنواجهه بكل مهنية وحرفية وبطرق علمية.