|
الأحد، الموافق ١٣ أكتوبر ٢٠٢٤ ميلاديا

الدكتور سليم علوان : خطبة الجمعة ” فَضْلُ الْجُودِ وَالْكَرَمِ وَالإِحْسَانِ فِي رَمَضَانَ

العرب نيوز ( سدني – استراليا ) عرض امين عام دار الفتوى الاسلامية في استراليا الشيخ د. سليم علوان خلال خطبة الجمعة الثانية من رمضان امر ((فَضْلُ الْجُودِ وَالْكَرَمِ وَالإِحْسَانِ فِي رَمَضَانَ )) في مسجد السلامة شيسترهيل : إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَـٰهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا مَثِيلَ وَلا شَبِيهَ وَلا ضِدَّ وَلا نِدَّ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنَا وَعَظِيمَنَا وَقَائِدَنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ مَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ.
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْقَدِيرِ الْقَائِلِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: ﴿يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَةِ/ 254].
وَيَقُولُ النَّبِيُّ الأَعْظَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ أَيْ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَجُلٌ مُعَلَّقٌ قَلْبُهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: “إِنّي أَخَافُ اللَّهَ”، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ».
عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ الصَّدَقَةَ وَالْجُودَ وَالسَّخَاءَ وَالسَّمَاحَةَ خِصَالُ خَيْرٍ وَصِفَاتٌ حَمِيدَةٌ وَإِنَّ التَّصَدُّقَ وَالإِنْفَاقَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَالطَّاعَاتِ عَلَى أَنْوَاعِهَا احْتِسَابًا لِلأَجْرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَثِقَةً بِهِ سُبْحَانَهُ أَيْ بِوَعْدِهِ الَّذِي لا يَتَخَلَّفُ مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ عَلَى ذَلِكَ فِي دَارِ الْقَرَارِ فِي الْجَنَّةِ دَلِيلُ الْفَلاحِ وَالْخَيْرَاتِ، كَيْفَ لا وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ الْعَظِيمُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ» أَيْ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةِ إِيْمَانِ مَنْ تَصَدَّقَ وَعَلامَةٌ عَلَى تَصْدِيقِ بِاذِلِهَا بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لا يَتَخَلَّفُ وَعْدُهُ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَآ أَنْفَقْتُمْ مّنْ شَىْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سُورَةَ سَبَإٍ/ 39].
وَمِمَّا وَرَدَ عَنِ الرَّسُولِ الْعَظِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَضِّ مَنْ عَلَيْهِ دَفْعُ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ لِدَفْعِهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وَيَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: »إِنَّ الصَّدَقَةَ الْحَلالَ الْمُخْرَجَةَ مِنَ الْمَالِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاحْتِسَابًا لِلأَجْرِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ يُبَارِكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَالِ صَاحِبِهَا بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي تَحْصُلُ فِي مَالِ صَاحِبِهَا«.
وَقَالُوا: »إِنَّ الْمَالَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الصَّدَقَةُ وَإِنْ نَقَصَتْ صُورَتُهُ لَكِنْ ثَوَابُهُ الْمُعَدُّ لَهُ فِي الآخِرَةِ جَابِرٌ لِنَقْصِهِ«.
وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ الْعَظِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: “اِسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ”، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ وَهِيَ الأَرْضُ الْمُلَبَّسَةُ حِجَارَةً سُودًا فَإِذَا شَرْجَةٌ وَهِيَ مَكَانُ مَسِيلِ الْمَاءِ مِنْ تِلْكَ الشِرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: “يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ؟” قَالَ صَاحِبُ الْحَدِيقَةِ: “فُلانٌ” لِلاِسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ أَيْ هُوَ نَفْسُ الاِسْمِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ السَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُ أَيْ صَاحِبُ الْحَدِيقَةِ: “يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟” فَقَالَ: “إِنّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: “اِسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ لاِسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟” قَالَ: “أَمَّا إِذَا قُلْتَ هَذَا فَإِنّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ وَءَاكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ”» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَلَنَا فِي نَبِيِّنَا الأَعْظَمِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ قُدْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي سَخَائِهِ وَكَرَمِهِ وَإِنْفَاقِهِ الْكَثِير فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. كَيْفَ لا وَهُوَ سَيِّدُ الْكُرَمَاءِ وَأَجْوَدُ النَّاسِ فَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ».
وَكَانَ جُودُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَضَاعَفُ فِي رَمَضَانَ وَيَزْدَادُ، وَذَلِكَ لأِسْبَابٍ: أَحَدُهَا أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مَوْسِمُ الْخَيْرَاتِ لأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِيهِ زَائِدَةٌ عَلَى غَيْرِهِ. ثَانِيهَا أَنَّ الصَّدَقَةَ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ لِمَا جَاءَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ» وَمِنْهَا أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ شَهْرُ الْمُوَاسَاةِ وَالتَّعَاوُنِ وَالْمُسَاعَدَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالْعِتْقِ مِنَ النَّارِ. هُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَءَاخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [سُورَةَ الأَحْزَاب/21].
فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مِنَ الْمُقْتَدِينَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ الذَّينَ لا يَنْسَوْنَ بَذْلَ الْمَالِ فِي الْخَيْرِ عِنْدَ الاِسْتِطَاعَةِ وَلا يُضَيِّعُونَ وَاجِبَ الإِعَانَةِ عَلَى نَشْرِ عِلْمِ الدِّينِ وَمُوَاجَهَةِ الْجَهْلِ وَالضَّلالِ. اللَّهُمَّ احْشُرْنَا مَعَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.

لسماع خطبة الجمعة انقر هنا