غزالة : أجواء ما قبل العاصفة
العرب نيوز ( رؤوس – أقلام ) بقلم الكاتب وسام غزالة من ملبورن أستراليا – يأتي يوم تاريخ المجزرة، انفجار بيروت، والأجواء مشحونة بين اللبنانيّين، بفعل الجرح المفتوح الذي لم يندمل بعد بالمُقاضاة والمُحاكمة فالحساب، وبفعل إستغلال جميع الساسّة للحدث الجلل، ليس من أجل التحقيق لكشف حقيقة الجريمة الكارثة، بل باباً لتحقيق الأهداف السياسيّة الضيّقة والتي لا تخدم لا من بعيد ولا من قريب ميثاقية الإنتماء، بعيداً عن الطائفيّة البغيضة، والحزبيّة المذهبيّة العمياء، فدم الضحايا الأبرياء الذين سقطوا فجأة، من غير أن يُعطوا حقّ اختيار المكان والزمان، للشهادة والتضحية في سبيل وطنهم، الذي كانوا يخدمونه بالعرق والدمع وأخيراً الدم، دمهم الذي لم يجفّ بعد على صفحات الأحداث، حيث أنّهم يستشهدون كلّ يوم مع أهاليهم والوطن، من فعل الإنفجارات السياسيّة المتلاحقة منذ سنة ونيّف، ولبناننا الحبيب هو في الأصل، الضحيّة الأساس لأهداف هذه المؤامرة العالمية، التي تريد أن تنهش ما استطاعت من لحمنا ولحم أولادنا، وأن تُبقينا رهائن لأطماعها بترابنا وهوائنا ومياهنا وما فوقهم وما تحتهم، وأولياء أمورنا يعملون كسماسرة ووكلاء تجارة حصريّين لتلك الدول التي تمدٌهم بالمال رعبون حصصها المرادة في ثروتنا الطبيعيّة.
أولئك السّاسة المأجورون، والذين كانوا على علم بكلّ شاردة وواردة في لبنان، لم ينبسّوا ببنت شفة، أو يشيروا بأيّة إيماءة لتلك المواد الخطيرة التي جيء بها لأسباب أقلّ ما يُقال عنها تآمريّة، إلى حين الإنفجار المروّع، الزلزال المهول، الذي لم تزل هزّاته الإرتجاجيّة المتوالية تتلاحق، والأخطر من ذلك أن الكثير من المسؤولين اللبنانيّين، وهم بشكلٍ أكيد ضالعون بما يُحاك من شرّ على البلد، يوتّرون الأجواء الشعبيّة ويحرّضون جماعاتهم لأغراض شخصيّة أنانيّة تخدم مصالحهم الماديّة أو مراكزهم التي يريدون من خلالها أن يبيعوا مقدّرات الشعب، والثروة الباطنة لوطنهم، كزبانية لدول طامعة شرّيرة قريبة وبعيدة، فهل ما شهدته بيروت عشيّة ذكرى الإنفجار، من إطلاق نار وسقوط ضحايا في طرفها الجنوبيّ، وما لحقه في يوم الذكرى من اشتباكات بالأيدي وسقوط جرحى في طرفها الشرقيّ، هو الأجواء التي تسبق العاصفة، وأن هنالك من يجرّ البلد إلى الحرب الشعواء المُخطّط لها.
إلقاء المُحاضرات الوطنيّة الزائفة، وخطابات المؤاساة الشعبيّة المُصطنعة، والتصريحات الموتورة، والتعليقات المغرضة، لن يفيد ولا يسمن أو يغني من جوع المواطن، أو يُحرّر له مدّخرات عمره التي جمعها بتعبه وعرق جبينه للإبقاء على عجلة الإقتصاد، فإذ بهم يسرقونه، ويدمّرون اقتصاده، بعد أن تغاضوا عن مجزرة بيروت التاريخيّة في الرابع من آب، ويحاولون طمس الأدلّة، وإبعادها عنهم، ويُحصّرون اليوم للإجهاز على ما تبقّى من مؤسّسات يتعكّز عليها لبنان كي يسير ولو بشكلّ أعرج نحو الخلاص.
لم يبقَ لنا إلّا صوتنا، نطلقه عالياً بوجه سياسيّينا، وبوجه العالم كلّه، أينما كنّا، كي نقول أنّ الشعب هو مالك الأرض والثروة، وليس أولئك الأشرار الذين يُحاولون خداعنا بخطبهم التحريضيّة على بعضنا البعض، وأنّنا نحن أهل الصبيّ والبنت، وأولادنا أمانة الحياة فينا واستمرارنا، فلن نترك مصيرهم بين أيدي هؤلاء المجرمين، فبأصواتنا نرسم مستقبل أبنائنا، وبمناداتنا بالحقّ نُبعد عنّا العاصفة، ولن نتأخّر مهما قويت علينا الأحداث الملأة بالآلام والصعاب، وليحيا لبنان فينا ما دمنا أقوياء.