سلوم : وبعد سنةٍ من جريمةِ العصرِ
العرب نيوز ( رؤوس – اٌقلام ) بقلم جورج سلوم – أقفُ اليوم، وبعد سنةٍ من جريمةِ العصرِ التي أودتْ بآخر رمقٍ من حياتِنا الملأة بالأحزان، وأخذت أغلى ما نمُلك، وأغرقتنا بالمآسي، وأحاطتنا بطمع جميع الأعداء، وتركتنا لقمةً سائغةً بأفواه المتآمرين علينا من سياسيينا الخونة الذين خبِرناهم عبرَ السنين الطويلة، والذين باعوا ضمائرهم، وسرقوا أموالَ أناسِهم ممّن انتخبوهم ليمثلّوهم ويسيرونَ بهم نحو شاطئ الأمان، ولكنّهم خذلوهم ووضعوهم رهائن على طاولةِ لعبةِ الأممْ، فجّروا بيروتَ بقنبلةٍ موقوتةٍ وكانت كالنوويّةِ بهولِها، وتباكوا على الضحايا وعلى الأحياءِ منّا، وماطلوا بعدَها بالكشفِ عن فاعلي تلك المأساةِ المروّعة، والتهوا بالخلافِ على اقتسامِ الحصصِ ودمُ الشهداءِ لم يجفّ بعد.
سنةٌ تمرُّ ولبنان لم يزل مفجوع بمأساته، ولا أحد يشفي غليلَ أهل الضحايا، ولو بأقلِّ خطوة نحو الكشفِ عن المجرم الذي كان عالماً وساكتاً، أو الذي كان سبباً للإنفجارِ أو التفحيرِ، والموتُ واحد ٌوإن تعدّدت الأسباب.
سنةٌ مرّتْ ولبنانُ منهارٌ ماديّاً ومعنويّاً، الدولارُ لا سقفَ له، وجميع مستلزماتِ الحياةِ مفقودة، من ماءٍ وكهرباءٍ ودواءٍ وطعامٍ وسبُل اتصال، والجميع في انتظار أولياء الأمور كي يتّفقوا على من يأتون به ليتابعوا نهبهم وكذبَهم وخداعَهم، وليضمنوا بقاءهم متسلّطين على رقاب جماعاتِهم والتابعين لهم، دون أن يأبهوا بلبنان كوطنٍ يعاني من طغيانِهم وقهرهِم له، أولئك الأنذال السفلة الناهبين ثرواتِ الشعبِ، والمانعينَ عنه مدّخراته وشقاءِ عمر الكادحين في سبيل لقمةِ العيشِ والبقاء.
سنةٌ تمرّ وليسَ من بصيصِ أملٍ بالخلاص، والكلّ ينتظر أعجوبةَ ترفع عن اللبنانيّينَ مأساتهم، وسياسيّوهم يتمادون بذلّهم لهم، ويتصارعون فيما بينهم على اقتسامِ ثمنِ بيع الوطنِ وثرواتِه الطبيعيّة، وجميع الدول القريبة والبعيدةِ تتآمرُ فيما بينها لافتراسٍ هذا الشعب المغلوب على أمره، والأنكى من كلّ ذلك أنّ اللبنانيّينَ أنفسَهم لا حول لهم ولا قوّة لإبعاد هذا الكأس المرِّ عن وطنهم، فثورتُهم على الظلم يُتاجر بها، ورفضَهم للذل كصرخة في وادٍ، طالما أنّه يوحّدهم الجوعُ والحاجةُ ومكرُ السّاسة، ويُفرّقهم مشاربهم الحزببّة والعصبيّة إن لم نقل المذهببّة.
سنةٌ تمرّ، ولا يبقى لنا إلّا الأمل والتضرع إلى الله كي يخلّصَنا من عذاباتنا التي جلبناها لأنفسُنا بتفرّقنا، وانصياعنا لزعماءٍ محتالين يبيعون ضمائرهم من أجلِ مكتسباتٍ شخصيّة لهم ولأزلامِهم، خدمةً لأعداءِ الوطن الطامعين بثرواته، ودعاؤنا بالصلاة لكي يتّحدَ الشرفاء من أهلنا حتّى يتخلّصوا من ذاك الوباء اللعين الذي يدمّرُنا والذي هو طمعُ المسؤولين عنّا واستغلالَهم لنا، والذي هو أفظعُ بكثيرٍ وأدهى من وباءِ كورونا، الذي لا نعرفُ كيف نتفاداه أو نعالجه.
أخيراً ما أضيقُ العيشِ لولا فسحةُ الأملِ، ووطننا سيبقى وسيعيش رغم المآسي الذي تعوّد عليها وخرج منها عبر التاريخ، وليحيا لبناننُا الحبيب الغالي فينا ما دمنا أحياء.