ميسون الدخيل : أمنيات تراود روح هذا وذاك
العرب نيوز( روؤس – أقلام ) بقلم د.ميسون الدخيل- بالنسبة للكثير منا، تعد المتنزهات الترفيهية من ذكريات الطفولة التي لا تنسى، مثل تلك اللحظة التي تسقط فيها معدتك قبل نزول القطار في المنحدر السريع، أو عند دوران المركبة الحلزونية في كل الجهات، ولكن يمكن أيضًا أن تحمل هذه المتنزهات خيبات أمل! مثلًا عندما يخبرنا مشغل اللعبة بأن عمرنا لا يسمح وعلينا أن ننتظر حتى نصل إلى السن المطلوب حتى يسمح لنا بالمشاركة باللعبة، ولكن… بالنسبة للأطفال ذوي الإعاقة أو ذوي الاحتياجات الخاصة، قد تأتي تلك الزيارة بمزيد من خيبات الأمل بما أن كثيرًا من الألعاب المعروضة غير مسموح لهم بالمشاركة أصلًا.
اصطحبت أم ولدها الذي يعاني من التوحد إلى أحد المتنزهات، وكم كان سعيدًا عندما وصل أخيرًا إلى الموقع، ولكن كلما وصل إلى لعبة بعد انتظار طويل في الطابور، يكتشفا أنه غير مسموح له بالصعود أو المشاركة! لقد كان في كل مرة يقفز فرحًا لاقتراب دوره إلا أن يصدم بالرفض، ما يدمي القلب أنه كان صبورًا رغم معاناته، لقد كان في كل مرة يتم رفضه يقول: «طيب» ويتنهد بحسرة، وينتقل للوقوف في الطابور الذي يليه! لم تكن توجد أي لائحة إرشادية عند المدخل تحدد الألعاب التي يمكن أن يشارك بها ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا حتى عند كل لعبة منهم! ولهذا قضى الطفل جل وقته ما بين الأمل والخيبة. وبعد مساء كئيب كان من المفترض أن يكون سعيدًا مبهجًا، نظر إلى والدته والأدمع تتدحرج على وجنتيه حزنًا وألمًا، وقال: «خلاص روح بيت»! هنا انفطر قلب الأم التي كانت تتمنى في تلك اللحظات أن تقدم له العالم بين يديه، لكن ما باليد حيلة، إلى المنزل عادا يحملان ذكريات كان من الممكن أن تكون سعيدة.
وبالرغم من أن أطفال (ذوي الاحتياجات الخاصة) قد يبدون مختلفين عن الأطفال الآخرين لأنهم يتحدثون ويمشون ويتصرفون ويفكرون بشكل مختلف، فإنهم في جوهرهم ما زالوا أطفالًا؛ فهم يحبون اللعب، ويفرحون بالمشاركة متى ما أتيحت لهم الفرص، كما أن أهاليهم هم مثل الأهالي الآخرين؛ يريدون أيضًا إدخال السعادة في قلوب أطفالهم، يتألمون حين لا يرى الناس قدرات أبنائهم خاصة ممن يركزون على الإعاقة، وبالتالي يعاملونهم إما بشفقة وإما بازدراء، بينما كل ما ينتظرونه بدلًا من التحديق أو الشفقة عليهم أو على أبنائهم، أن تقدم لأبنائهم خدمات إضافية بحيث لا تشعرهم بأنهم منفصلين عن البقية، بل مساوين لهم بالإنسانية على الأقل، ليخلق جوا مريحا يمكنهم من معايشة الفرح والاستمتاع بعيون أبنائهم وهم يحققون لهم أمنيات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها لا تفرق ما بين طفل وآخر؛ أمنيات تراود روح هذا كما تراود روح ذاك!
اليوم نجد أن العديد من الألعاب غير مجهزة لاستيعاب كرسي متحرك، وقد يواجه بعض الأطفال المصابين بالأمراض مثل التوحد مشاكل أكثر في المناطق المزدحمة أو الطوابير الطويلة؛ وهي مشاهد متكررة إن لم نقل سائدة في المتنزهات الترفيهية! المشكلة أنه لا يتم وضع لوائح إرشادية على بداية طوابير الألعاب حتى لا يصل هؤلاء الأطفال بعد انتظار طويل ليجدوا أنه غير مسموح لهم بالمشاركة، هذا عدا أن الكثير من الأهالي في بعض المتنزهات الترفيهية يكتشفون عند نقاط الدخول، أن أطفالهم معفيين من الدفع ولكن لا يمكنهم استرداد المبالغ التي دفعت عند الحجز إلكترونيًا!
الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة بحاجة أن يكون لديهم مناطق للتسلية والاستمتاع حيث يمكنهم اللعب بحرية وسهولة كبقية الأطفال الآخرين و…معهم؛ فنحن لا نريد فصلهم عن البقية، كل ما نريده هو اندماجهم حتى لا يشعروا بالنقص عدا عن أن حالاتهم تتحسن خاصة النفسية التي تنتعش وتزيد من التفاعل للنمو والتطور، وعليه يجب العمل على تطوير متنزهاتنا بحيث يتم استيعاب الإعاقة والتفاعل معها بإيجابية من قبل جميع العاملين؛ مثلًا أن تحتوي كل لعبة على مقاعد ومقصورات تستوعب الكراسي المتحركة، وأن تقدم أجهزة وصف صوتي وخرائط برايل للمكفوفين، هذا إضافة إلى إصدار «بطاقة خدمة لذوي الاحتياجات الخاصة» تمكنهم من تعدي طوابير الانتظار؛ بحيث يمكن للمشارك منهم الانتظار في مكان آخر في المتنزه بدلاً من المعاناة في الطوابير، كما يجب تدريب الموظفين في هذه المتنزهات أو الفعاليات الترفيهية على التحلي بالصبر والتفهم لجميع الحالات التي تحتاج معاملة خاصة لتمكينهم من المشاركة، وبهذا يمكن لجميع الأطفال أن يعيشوا التجربة. فلو أننا حسبناها اقتصاديًا، نجد أن المبادرة سوف تفتح سوق عمل كبيرا لمثل هذا النوع من الخبرات لدى العاملين في المتنزهات الترفيهية، لأنه كما يوجد ارتفاع في عدد المتنزهات والفعاليات الترفيهية في البلاد، نجد أن نسب الأسر التي لديها طفل واحد على الأقل من ذوي الاحتياجات الخاصة بارتفاع مستمر.
أتمنى أن يأتي اليوم الذي نشهد فيه تطوير العديد من المتنزهات الترفيهية التي تستوعب الجميع… أتمنى أن يأتي اليوم الذي لا نشهد فيه قلب أم يبكي ألمًا على ابن من ذوي الاحتياجات الخاصة عاد إلى المنزل مكسور الخاطر.
#العرب_نيوز ” أخبار العرب كل العرب “