العلامة د.سليم علوان : خطبة الجمعة | عصمةُ الأنبياء
العرب نيوز ( سدني – استراليا ) خطبة الجمعة لصاحب السماحة ا.د. سليم علوان الحسيني أمين عام دار الفتوى في أستراليا – الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلام على سيدِنا محمدٍ صفوةِ الأنبياء والمرسلين، وعلى ءاله وصحابتِه الطيبين الطاهرين. وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، الأحدُ الصمدُ الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه وصفيُّهُ وحبيبُهُ.
أما بعدُ عباد الله فإني أوصيكم بتقوى الله العزيزِ الحكيم القائلِ في القرءان الكريم فقال: ” ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ﴾ ولا يكونُ العبدُ متَّقِيًا لله تعالى إلا بمعرفةِ اللهِ تعالى والإيمانِ به ومعرفةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم والإيمانِ به وامتثالِ أوامره تعالى كلِّها واجتنابِ مناهيه كلِّها، ولا سبيلَ إلى معرفةِ ما أمرَ اللهُ به وما نهى اللهُ عنه إلا من طريقِ الأنبياء، فهم الْمُبلِّغون عن الله تبارك وتعالى خَلْقَهُ بما يُحيِيْهم ويُصْلِحُ أمرَ دينِهم ودنياهُم، فحاجةُ الخلقِ إلى الأنبياءِ ضروريةٌ، إذْ لا سَبيلَ إلى معرفةِ الطَّيِّبِ والخبيثِ والصحيحِ والباطلِ وما يُنجي في الآخرة أو يُهلكُ إلا على أيدي الأنبياءِ صلواتُ الله وسلامُه عليهم، ولـمّا كان هذا عملَ الأنبياءِ عليهم الصلاةُ والسلام وتلك وظيفتَهم كانوا مِنَ الكمالِ وعلوِّ المنزلة وسموِّ المقامِ في أعلى مراتبه لِيُقبِلَ الناسُ عليهم ويتَلَقَّوا عنهم أوامرَ الله ويلتزموا ما بيّنوا لهم منَ الشرائع والأحكامِ والآداب والأخلاق، فاصطَفى اللهُ العليمُ الحكيم لمنصبِ النبوة مِن البشرِ رجالًا كُمَّلًا مِن أوسطِ قومِهم نَسَبًا وأحسنِهم خِلْقَةً وخُلُقًا فحَفِظَهم مما يُنَفِّرُ الناسَ عن قَبول الدعوةِ منهم منْ عاهاتٍ جسديةٍ أو أمراضٍ مُنفِّرةٍ كبَرَصٍ وجُذامٍ وخروجِ دودٍ من البدنِ. وأما ما يُروى عن نبيِّ الله أيوب عليه السلام أنَّ مرضَه كان بحيثُ يخرج الدود من جسده وأنه أكلَ جِسمَهُ فهو غيرُ صحيح والناسُ يَنفِرُون عمن هذا حالُهُ، والله تبارك وتعالى لا يَبتلي نبيًّا منْ أنبيائِه بما يُنفّرُ الناسَ عنه وقد أرسله ليبلغهم دينَهُ. وكذلك إخوة الإيمان حَفِظَ اللهُ تبارك وتعالى أنبياءَه عن الرذالة والسفاهةِ فليس بين الأنبياءِ من هو رذيلٌ يختلسُ النظرَ إلى النساء الأجنبيات بشهوةٍ مثلًا ولا مَن هو سفيهٌ يشتِمُ يمينًا وشمالًا، وما يرويه بعضُ الناس عن نبي الله داودَ عليه السلام أنه نظرَ مرةً فرأى امرأةَ قائدِ جيشِه تَغتسلُ عاريةً فصارَ ينظرُ إليها وقد أعجبتْه فبعثَ زوجَها للقتال ليأخُذَ زوجتَه باطلٌ غيرُ صحيح، كيف وهذا مما لا يَرضى أراذلُ الناس أن يُنسبَ إليهم، فكيف تصحُّ نسبتُه إلى نبيٍّ من أنبياءِ الله أرسلَه ربُّه عزَّ وجلَّ لِيُعَلِّمَ الناسَ مكارمَ الأخلاق.
إخوة الإيمان، وكذلك حفظَ اللهُ تعالى أنبياءَه منَ المعاصي الكبائرِ كشرب الخمرِ والزنا فلا يصحُّ ما افتراه بعضُ الناس على نبيِّ الله لوطٍ عليه السلام مِنْ أنه شربَ الخمرَ وزنى بابْنَتَيْه، ولا ما نَسَبَهُ بعضُهم إلى نبيّ الله يوسفَ عليه السلامُ من أنه أراد الزنا بامرأة العزيز، فإنه أعلى مقامًا مِن أن يزني أو يَهمُّ بالزنا، وإنما قولُه تعالى ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ معناه هي أرادتْ به الزنا فهمَّتْ به لِيَزْنيَ بها، وهمَّ يوسفُ عليه السلامُ بِدَفْعِهَا عنه، لولا أن رأى برهانَ ربِّه أنه إنْ دفعَها تَدَّعي أنه أرادَ إجبارَها على الفاحشة، فلم يفعلْ، واتَّجَهَ إلى البابِ للخروج فَجَذَبَتْ قَمِيْصَهُ مِنْ خلف فَشَقَّتْهُ، فَاتَّهَمتْ يوسُفَ بِأنَّه أرادَ أنْ يَزنيَ بها، وبرَّأَ يوسفُ نفسَه مِنْ هذا الفِعْلِ القَبيحِ فشهد شاهدٌ مِن أهلِها أنِ انظُروا إنْ كانَ قميصُهُ شُقَّ من خَلْفٍ فَصَدَقَ وهي من الكاذبين، وإن كان قميصُه شُقَّ مِنْ أمام فَصَدَقَتْ بِدَعْوَاها أنه أراد بها الزنا فَتَمَنَّعَت، فَنَظَرُوا فوجدوا قميصَه قد شُقَّ مِن خَلْف، كما أخبرَ ربُّنا تبارك وتعالى في القرءان ﴿ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ ثم اعترفَتِ امرأةُ العزيزِ بأنها هي التي أرادتْ به الزنا فاستَعْصَم، قال تبارك وتعالى إخبارا عنها قَالَتِ ﴿ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ فالحذرَ الحذر إخوةَ الإيمان مِن أيِّ قولٍ ينسُب أحدًا من الأنبياء إلى سفاهةٍ أو خُلُقٍ رذيلٍ، واعلموا أنَّ كلَّ نبيٍّ من أنبياء الله يجبُ أن يَتَّصِفَ بالصدقِ والأمانة والصيانة، فيستحيل عليهم الكذبُ والخيانةُ والرذالة والسفاهة، وتجبُ لهم الفطانةُ أيْ شدةُ الذكاء، فيستحيل في حقهم الغباوةُ وبلادةُ الذِّهن، كما تجبُ لهم الشجاعةُ، ويستحيلُ في حقهم الجبن، وهم جميعُهم مسلمون مؤمنون لا يحصل من أحدٍ منهم كفرٌ قبلَ النبوة ولا بعدَها، ولا يقعونَ في كبائر الذنوبِ ولا في الصغائر التي تدلُّ على خساسةِ فاعلها كسرقة حبةِ عِنَب، وأما المعصيةُ الصغيرةُ التي لا خسّةَ فيها ولا دناءةَ فقد تحصلُ نادرًا مِنَ النبيّ لكنه يُنَبَّهُ فورًا للتوبةِ منها قبلَ أن يَقتدِيَ به في هذه المعصية أحدٌ من قومه.
فاللهَ اللهَ عبادَ الله، عَظِّمُوا أنبياءَ الله تعالى، واعرِفوا حقَّ قَدْرِهِم ومَا وَجَبَ مِنْ رِفْعَةِ شَأْنِهم وإيَّاكم ونسبةَ ما لا يليقُ إليهم فإنَّه من المهلكات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.